دروس فضيلة الشيخ

الصحابة والإمامة_ الدرس الثامن

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فهذا هو الدرس الثامن من دروس برنامج التأصيل العلمي العقائدي، الذي تقيمه الجمعية العليمة السعودية لعلوم العقيدة، وهذا الدرس سيتناول الحديث عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وفضلهم وطرق انعقاد خلافتهم مع الاستدلال ومناقشة المخالفين.

ثم الحديث عن المراد بالسابقين الأولين من الصحابة، ثم العشرة المبشرين بالجنة، وبعض مناقبهم.

الصحابة رضي الله عنهم ثبت أن حبهم إيمان، وبغضهم كفر ونفاق، وثبت أيضاً فضائل الصحابة وتقدم أن أفضلهم هم الخلفاء الراشدون أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين.

قال الطحاوي رحمه الله: ونثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً: لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، تفضيلاً له، وتقديماً على جميع الأمة، ثم عمر رضي الله عنه، فإنه رضي الله عنه، فوض أبو بكر الخلافة إليه، واتفقت الأمة عليه، ثم عثمان رضي الله عنه، فإنه من الستة الذين جعل عمر الأمر فيهم، واجتمعت كلمة المهاجرين والأنصار على اختيار عثمان، ثم علي بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه بمبايعة المسلمين له، وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عنهم وأرضاهم.

وفضائل الخلفاء كثيرة، فضائل الخلفاء الراشدين كثيرة جداً، جاءت الأحاديث الدالة على فضل الصحابة وفضل أبي بكر، وفضل عمر، وفضل عثمان، وفضل علي، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» وكذلك في هذا الحديث قول: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» فسماهم: الخلفاء الراشدين.

كذلك في حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة» هذا الحديث حديث سفينة رواه أبو داود والطحاوي والإمام أحمد في المسند، والطبراني والبيهقي في دلائل النبوة، والنسائل في فضائل الصحاب، وأيضاً حسنة الترمذي، وصححه بن حبان.

يقول سفينة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء» أو «الملك من يشاء».

وقال سفينة بعد هذا: (أمسك) يعني عد خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين، خلافة عمر عشر سنين، خلافة عثمان اثنتي عشرة سنة، خلافة علي رضي الله عنه ستة سنين.

طبعاً هذا العد على سبيل الإجمال، لماذا؟ لأنه هذه طريقة العرب أنهم يحذفون الكسور، والزائد والناقص من الأشهر.

فرضي الله عن أبي بكر مدة خلافته سنتان وتقريباً ثلاثة أشهر، وخلافة عمر رضي الله عنه عشر سنوات ونصف، وخلافة عثمان رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي رضي الله عنه أربع سنوات وتسعة أشهر، هذا المجموع تسعة وعشرين سنة وسنة أشهر.

وخلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما ستة أشهر، فلا تكمل الثلاثين سنة إلا بهذا، فبخلافة الحسن لما تولى ستة أشهر، ثم اجتمع مع معاوية وتنازل إلى معاوية واجتمع الناس على معاوية وسمي عام الجماعة.

فهؤلاء هم الخلفاء الراشدون: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.

فأبو بكر الصديق هو: أبوبكر عبد الله بن عثمان بن عامر، بن عمرن بن كعب، بن سعد، بن مرة التيمي، وأول الرجال إسلاماً، وأفضل الأمة على الإطلاق رضي الله عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليه ثناءً عظيماً في مقامات وقدمه إماماً بالناس لما مرض، وقال: مروا أبا بكر فليصلوا بالناس ثلاث مرات.

وقال: ليصلي بالناس بن أبي قحافة

وقال: يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر.

والأحاديث في فضله ومناقبه كثيرة وقد ذكرنها في درس سابق.

وقال عليه الصلاة والسلام: «اقتدوا بالذي من بعدي أبي بكر وعمر».

وصفة بيعته رضي الله عنه بخلافة النبوة لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر في عوالي المدينة بالسنح، وقام عمر يقول: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. سبحان الله أمر عظيم، فقال هذا الكلام ويقول عمر: ما كان يقع في نفسه إلا هذا، أنه لما يمت عليه الصلاة والسلام، وأنه سوف يقطع أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وقال: بأبي أنت وأمي طبت حي وميتاً والذي نفسي بيده لا يذيقك الله موتتين أبدا.

ثم خرج، فقال: أيا الحالف على رسلك، فلما تكلم جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمد صلى الله عليه وسلم، فإن محمد قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقرأ: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ [الزمر: 30]، وقال: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144].

ثم اجتمع الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا رضي الله عنهم اجتهداً خاطئ، قالوا: منا أمير ومنكم أمير. يعني من قريش، المهاجرين.

فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر أبلغ، وقال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، وتبادلوا النقاش حتى اجتمع الرأي على بيعة أبي بكر، قال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس.

فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة. فقال عمر: قتله الله. يعنى أن سعد لما أصر على رأيه لم يلتفت إليه أحد، وصار هذا خطاء منه رضي الله عنه وأرضاه.

وأما هذه البيعة تبين لك أنها باتفاق أهل الحل والعقد، أن أهل الحل والعقد وهم خيار المهاجرين، وخيار الأنصار بايعوا أبا بكر وأجمعوا على بيعته.

فهذا ما يتعلق ببيعة أبي بكر، وبعد ذلك قام بأمر الخلافة خير قيام، وقام بأمر المسلمين رضي الله عنه خير قيام، وقبل وفاته رضي الله عنه عهد إلى عمر، فلما أبو بكر توفي رضي الله عنه بايع المسلمون عمر بن الخطاب بعهد من أبي بكر، فهو ولي الخلافة بهذه الصفة: ولاية العهد.

وأبو بكر رضي الله عنه في خلافته التي تقدم أنها مدتها سنتان وثلاثة أشهر تولى أمورًا عظيما منها:

أولاً: إجراء الجيش الذي عقده النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: مقاتلة المرتدين ومناعي الزكاة.

ثالثاً: مقاتلة مسيلمة الكذاب، فإن المرتدين كانوا عدة فرق، منهم: من صدق الأسود العنسي المشعوذ الكاهن في اليمن الذي تنبأ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمقاتلته.

ومنهم أيضاً بنوا حنيفة الذين يرأسهم مسيلمة الكذاب وقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه.

ومنهم أصحاب طليحة بن خويلد الأسدي، الذي ارتد، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتاله، نعم ادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول من قُتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الردة، فبعث أبو بكر إليه خالد بن الوليد فهزم خالد رضي الله عنه، وهرب طليحة بن خويلد إلى الشام، ثم أسلم وحسن إسلامه.

وأيضاً ارتد أخرون غير هؤلاء، فكما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ارتدت العرب، واشرأب النفاق، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتدت العرب، واشرأب النفاق، ونزل بأبي –يعني بأبي بكر- ما لو نزل بحبار لهاضها. والله المستعان، فرضي الله عن أبي بكر الذي صبر صبرًا عظيمًا، وثبت الله الإسلام بأبي بكر يوم الردة كما هو مشهور عند العلماء، يقول: ثبت الله الإسلام بأبي بكر يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة.

وأبو بكر رضي الله عنه، قام بقتال المرتدين، حتى رجع الناس إلى حياض الإسلام والحمد لله رب العالمين.

ومدة خلافته: سنتان وثلاثة أشهر.

وكان في مرضه الأخير الذي مات فيه يصلي بالمسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان قد عهد بالأمر إلى عمر كما تقدم، وأعطى الكتاب لعثمان فقرأ على المسلمين، فأقروا بذلك وسمعوا وأطاعوا، فلما توفي أبو بكر الصديق وكان عمر ثلاث وستون سنة في نفس السن التي توفي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه وأرضاه.

هذه هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه هو في المنزلة الثانية بعد أبي بكر في الفضل في هذه الأمة، وكنيته: أبو حفص وهو عمر بن الخطاب ابن نفيل بن عبد العزي بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي رضي الله عنه وأرضاه ثاني الخلفاء الراشدين، وأول من تسمى بأمير المؤمنين، وهو الذي قام بالفتوح الإسلامية العظيمة، الفتوح في بلاد الروم وبلاد فارس ومزق الله ملكهم على يده، رضي الله عنه وأرضاه.

وفضائله كثيرة من ذلك: يقول أبو هريرة: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب القصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمرن فذكرت غيرته، فوليت مدبراً. فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله».

ورآه النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «بينما أنا نائم إذ رأيت قدحاً أُتيت به، فيه لن، فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم».

وأيضاً قال عليه الصلاة والسلام في حقه: «إياه يا بن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالك فج قط إلا سلك فج غير فج»، وقال: «لقد كان فيمن كان قبلكم من بني اسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتى منهم أحد فعمر».

وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليه في مواضع في موافقته للوحي، وهو ليس بمعصوم رضي الله عنه، لكن هو أفضل هذه الأمة من الصحابة بعد أبي بكر.

والنبي صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يقول: «جئت أنا وأبو بكر وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر وعمر، خرجت أنا وأبو بكر وعمر» فرضي الله عنهما وأرضاهما.

وهذه بعض سيرته وأخباره، وسيرته عطرة ألفت فيها مؤلفات كثيرة، وأحاديث عظيمة، أفردت بالتصنيف.

واستشهد رضي الله عنه بسبب ما قام به أبو لؤلؤة المجوسي، طعنه وهي يصلي بالمسلمين صلاة الفجر، ثم جلس ثلاث أيام حتى توفاه الله وجعل الأمر شورى في ستة، رضي الله عنهم، اختارهم عمر لعلمه بأن هؤلاء توفي عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وهم: عثمان، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن ابي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف.

ثم اجتمع أمر هؤلاء رضي الله عنهم على اختيار عثمان، فكانت مدة خلافة عمر عشر سنوات وستة أشهر كما تقدم.

وعمر أيضاً ثلاث وستون سنة في نفس السن التي توفي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضاً أبو بكر.

فبُيع لعثمان بعدما اجتمع رأي الصحابة كلهما على فضله وتقديمه، فجميع المهاجرين والأنصار وأهل الدار وأصحاب الشورى رأوا تقديم عثمان فبايعوه بالإجماع، وهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أُمية بن عبد شمس بن عبد مناف، من السابقين الأولين إلى الإسلام.

وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بنته رقية، وبعد وفاتها زوجه النبي صلى الله عليه وسلم بنته أم كلثوم، فسمي رضي الله عنه: ذو النورين لأنه تزوج بنتي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واحدة بعد واحدة، ولم يتفق ذلك لغيره، وهو معروف بالأخلاق الفاضلة العظيمة، الحلم الشديد، والعلم العظيم، والحياء الشديد، والأدب الجم، وكثرة قراءة القرآن وخشية الله عز وجل، وطول الصلاة في الليل، والكرم، والرحمة، والرفق، فكان رفيقا بالرعية، وقد وفقه الله عز وجل لمناقب لم يفعلها أحد غيره، منها: جمع القرآن، ومنها تجهيز جيش العسرة، وأعمال جليلة قام بها، وأثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه في الجنة، واشترى بئر أرومة فجعلها خالصة لوجه الله، للمسلمين أوقفها.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما جهز عثمان جيش العسرة: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» وفضائله ومناقبه كثيرة جداً.

واستمرت خلافته رضي الله عنه ثنتي عشرة سنة، وتقدم أيضاً أنه استشهد على يد بعض المفتونين المجرمين المفسدين، وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عثمان إن الله تعالى عسى أن يلبثك قميصًا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني» رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي وبن ماجه، وهذا يدل على أنه عمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء المجرمون المفسدون هجموا عليه، واعتدوا عليه في يوم الجمعة، وغدروا به، وقتلوه ظلماً وعدوانا، فرضي الله عن عثمان بن عفان وأرضاه وجمعنا وإياكم وسائر إخواننا المسلمين معه في جنات النعيم مع جميع الصحابة أجمعين.

الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين: أما الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين فهو: بن عم النبي صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين أبو السبطين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم.

وأبو طالب هو عم النبي صلى الله عليه وسلم، شقيق عبد الله لأبيه، وقد كفل النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب، وأبو علي، وهذا أبو طالب لم يسلم، مع حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هدايته كل الحرص، ولكن كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ [القصص: 56]، فمات على غير الإسلام، لأنه مات على ملة عبد المطلب. والحديث في هذا مشهور في الصحيحين.

فهذا هو أبو علي، ولما توفي أبو طالب والد علي رضي الله عن علي كفل النبي صلى الله عليه وسلم علي، فعلي رضي الله عنه عاش في كفالة النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، فلما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه الوحي وبعث وأرسل ونبيء آمن به علي بن أبي طالب وهو بن ثمان سنوات، ولهذا قال العلماء: أول من أمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الصبيان: علي بن أبي طالب. وأول من أمن به من الرجال أبو بكر الصديق، وأول من أمن به من النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنهم أجمعين.

وأما أول من أمن به من الشيوخ: ورقة بن نوفل، وزيد بن حارثة أول من أمن به من الموالي، وبلال بن أبي رباح الحبشي أول من أمن به الأرقاء فرضي الله عنهم أجمعين.

فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فضائله كثيرة، ومناقبه عظيمة، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها إلا تبوك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله على المدينة، وفتح الله على يديه يوم خيبر، وكان من حماة النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وثبت له الأحاديث كثيرة جداً، الصحيحة في فضائله الجمة، وهذا يغنى عن كذب الرافضة وإفكهم، وتلفيقاتهم، وكذبهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى علي، وغلوهم الذي لا يرتضيه علي ولا يرتضيه أحد من المسلمين.

وهؤلاء الرافضة لا عبرة بهم ولا بمروياتهم، ولكن الشأن هنا في بينا فضل علي رضي الله عنه، فهو من مناقبه العظيمة: أنه قتل الخوارج أيضاً، وقال: لا أوتى بأحد فضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته جلد المفتري.

وهو الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يقتل الخوارج، وفضائله كثيرة جداً، وحتى الروافض قام بهم خير قيام، حتى قال: إني إذا رأيت أمرًا منكرا اوقدت نار ودعوت قنبرا. فقال الرافضة الذين غلوا فيه: إما أن ترجعوا عن قولكم الباطل، وإما أن أطرحكم في النار.

لما زعموا أن علي هو ربهم، قاتلهم الله، وهذا من أنواع الروافض الذين خرجوا وهم الغلاة نسأل الله العافية والسلامة.

والمقصود أن علي رضي الله عنه تولى الخلافة بعد استشهاد عثمان بمبايعة المسلمين له، والحمد لله اجتمع عليه المسلمون.

وأما ما يثيره الرافضة أو النواصب أو غيرهم فلا عبرة به، ولا يلتفت إليه، هذه طرق ثبوت انعقاد الخلافة إما بمبايعة أهل الحل العقد كأبي بكر، وكعثمان، وإما بولاية العهد كما حصل لعمر، وإما بمبايعة أهل الحل والعقد كما حصل أيضاً لعلي رضي الله عنه.

هذه لمحة موجزة عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم، أما بقية العشرة المبشرون بالجنة فقد جاءوا في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عشرة في الجنة: النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة» قال الراوي: ولو شئت لسمعت العاشر. والراوي هو العاشر وهو: سعيد بن زيد رضي الله عنه، فقالوا: من هو؟ فسكت. قال: فقالوا من هو؟ فقال: هو سعيد بن زيد رضي الله عنهم وأرضاهم.

فهؤلاء العشرة، بقية العشرة طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وسعد بن مالك سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

وكذلك أبو عبيدة عامر بن الجراح لأن هؤلاء في الحديث الذي قرأته عليكم هم تسعة، فأبو عبيدة هو العاشر رضي الله عنهم أجمعين.

ففضائلهم كثيرة، ونعتقد فضلهم وتقدمهم، وأما السابقون الأولون من المهاجرين فهم الذين أسلموا وهاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم، اسلموا في مكة وهاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 100].

وقال الله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد: 10].

فهؤلاء المهاجرون الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة وقبل صلح الحديبية.

قال بن كثير في التفسير عند هذه الآية: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 100]، قال: يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم والنعيم المقيم.

قال الشعبي: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ﴾ من أدرك بيعة الرضوان عام الحديبية، يعني كل من أسلم قبل هذا وأدركها فهو منهم، وقال أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، والحسن، وقتادة هم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يعني تحويل القبلة متى؟ بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بحوالي ستة عشر شهرًا، يعني سنة وأربع أشهر بعد الهجرة، فالذي أسلم من المهاجرين والأنصار قبل هذا يدخل في هذا الوصف، يعني أنه صلى إلى بيت المقدس لما كان مشروعاً ثم لما حولت القبلة أدرك.

قال: وقال محمد بن كابر القرظي مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل يقرأ هذه الآية: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ﴾ فأخذ عمر بيده، فقال: من أقرأك هذا؟ فقال: أُبي. ثم قال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه. فلما جاء قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم، قال: وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال عمر: لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة أو رفعة لا يبلغها أحد بعدنا، فقال أُبي: تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الجمعة: 3]، وفي سورة الحشر: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: 10]، وفي الأنفال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ﴾ [الأنفال: 75].

يقول بن كثير بعد هذا: فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وخيرهم وأفضلهم أعنى الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم، عياذ بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبون من رضي الله عنهم، وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدعون، وهؤلاء هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون، انتهى كلام بن كثير رحمه الله، وبهذا ينتهي هذا الدرس ونسأل الله جل وعلا للجميع التوفيق والسداد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.