دروس فضيلة الشيخ

الصحابة والإمامة_ الدرس الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد

فهذا هو الدرس الثاني من دروس برنامج التأصيل العلمي التابع لجمعية العقيدة وكنا في الدرس الأول تحدثنا عن المراد بالإمامة العظمة وطرق انعقاد الإمامة واليوم نتكلم عن بعض المسائل الأخرى المتعلقة بالإمامة منها

حكم نصب الإمام فولاية

أمر الناس هو واجب ديني بل هي من أعظم واجبات الدين لأنه لا قيام للدين ولا للدنيا الا بهذه الولاية فنصب الإمام للمسلمين واجب للحكم بينهم بما أنزل الله عز وجل ولتدبير أحوالهم ولتتم إقامة الحدود وتستوفى الحقوق وتحمى بيضة الإسلام ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعى إلى الله ويعلم الدين وتدفع الأضرار والفوضى وغير ذلك من المصالح العظيمة فلهذا صار نصب الإمام واجباً لأن ما كان واجباً في الشرع وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فهذه الأمور التي ذكرناها واجبة ولا تتم إلا بوجود إمام فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ثم ننتقل للمسألة الثانية وهي حقوق ولاة الأمور فالواجب السمع والطاعة لهم في المنشط والمكره والعسر واليسر في غير معصية الله عز وجل وهذا الواجب دل عليه القران كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء : 59] والسمع والطاعة لولاة الأمور في العسر واليسر والمنشط والمكره والاثرة ايضا حتى لو وجدت الأثرة لقوله صلى الله عليه وسلم «عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ» أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة وفي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» وجاء أبو سلمة بن يزيد الجعفي فقال يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أو فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ» فهذا يدل على ان الواجب على الرعية السمع والطاعة حتى في الشدة والعسر والمكره وحتى في الاثرة حتى لو منعوا بعض الحقوق الأثرة يعني منع الحقوق منع بعض الأموال أو أخذ بعض الأموال ظلما ًأو عدم العدل وهذا كله لا يجوز للولاة هذا حرام عليهم لكن لو وقع هذا منهم فإن هذا لا يوجب نزع السمع والطاعة لكن المعصية كما في حديث ابن عمر السابق «إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق هذا الواجب الأول السمع والطاعة في غير معصية الله ومن الواجبات لولاة الأمور النصيحة لهم لقوله صلى الله عليه وسلم «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ " ثَلَاثًا. قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» والنصيحة تقتضي موالاتهم على الحق وعلى الدين وطاعتهم وتذكيرهم بالخير برفق وحكمة ومن النصيحة لهم محبة الخير لهم وإرشادهم إليه ومن النصيحة لهم الدعاء لهم في ظهر الغيب بالصلاح والمعافاة والهداية والاستقامة هذا من واجبات ولاة الأمور، أيضا من واجبات ولاة الأمور الصلاة خلفهم إذا صلوا بالناس وعدم ترك الصلاة خلفهم إذا هم صلوا بالناس أئمة وتقدموا فإنه يصلى خلفهم ولا تترك الصلاة خلفهم لأجر جور أو فسق فيهم فإن هذا من الحقوق أيضا 

كذلك من الواجبات لولاة الأمور الجهاد معهم والقتال معهم في سبيل الله فإن هذا من الواجبات فإذا قام الجهاد وأمروا قال صلى الله عليه وسلم : «وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» والذي يدعو الى النفير هو ولي الأمر النفير يعني الخروج إلى القتال في سبيل الله ومن الواجبات أيضا لولاة الأمور أداء الصدقات إليهم ودفعها من الزكوات والصدقات الواجبة كما يجب في الركاز وكما يجب في بهيمة الأنعام والزرع وغير ذلك وهذا مأخوذ من قوله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة : 103] وكان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أنهم يرسلون الجباة لجمع الصدقات فلا يجوز منع الصدقات عن ولاة الأمور إذا طلبوا الزكاة أو طلبوا جبايتها.

ومن الحقوق والواجبات لولاة الأمور الصبر عليهم إذا جاروا، والصبر عليهم جاء في القرآن وجاء في السنة وجاء عليه إجماع الصحابة ونهوا عن الخروج وهذا في القران في قوله تعالى {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف : 128] {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف : 137] وهذا إذا كان في حق فرعون وهو كافر وطاغية فما بالك إذا كان مسلماً فالصبر عليهم واجب وكذلك مما جاء في السنة قوله صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْ عَامٍ إِلاَّ وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ» وقوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا، فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ»

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة تدل على وجوب الصبر وأن هذا من حقوق ولاة الأمور «تؤدون الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم»، ومن حقوق ولاة الأمر وهو من آثار الصبر ولوازمه ترك الخروج عليهم بالسيف أو بالتحريض وإيغار الصدور واثارة الفتن فإن هذا من المحرمات فلا يجوز إيغار صدور الرعية على الراعي وعلى الأمير ولا يجوز تحريض الناس ولا الخروج بالسيف أو بالسلاح -كل هذا من المحرمات- وقد قال صلى الله عليه وسلم «فمَنْ أراد أن يفرّقَ أمرَ المسلمين وهُمْ جميع، فاضربوه بالسيف، كائناً مَن كان»,

وكذلك من الحقوق إتمام البيعة معدم خلعها -البيعة يعني عقد السمع والطاعة- وهذا دين , فالمسلم حتى وان لم يبايع بيده فإنه عليه آثار البيعة التي بايعها أهل الحل والعقد وقد قال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»

ومن الواجب تجاه ولاة الأمور أيضا ان لا يقرهم بلسانه وقوله أو كتابته على الباطل لقوله صلى الله عليه وسلم: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا» فقوله صلى الله عليه وسلم : «فمن عرف برئ ومن أنكر سلم» هذا كمال وهذا هو الواجب فإذا عرف الباطل وتركه ولم يرض به وتركه برئ وإذا أنكره هذا أكمل (سلم) ولكن من رضي وتابع إذا رضي بالباطل وتابعهم عليه فهذا مؤاخذ نسأل الله العافية والسلامة

هذا بعض حقوق ولاة الأمور. ثم يقال في مقابل هذا يقال يجب على ولاة الأمور العدل والحكم بين الرعية بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والواجب على الرعاة والحكام أن يتقوا الله عز وجل في الرعية برحمتهم والرفق بهم والصبر على جاهلهم وكذلك مما يجب على الراعي الحاكم أن يحوطهم بسياج الامن وأن يقيم الحدود على من يستحق ذلك وأن يعزر أهل الباطل الذين يستحقون التعزير ويمنع أسباب الشرور وكذلك من الواجب على الراعي والحاكم أن يقيم الجهاد ويدافع عن البلاد ويحمي الثغور فهذه الامور وغيرها ذكرها اهل العلم في كتب الولايات الشرعية والأحكام السلطانية مثل الأحكام السلطانية للإمام الماوردي وكذلك الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى وكذلك كتاب السياسة الشرعية في الراعي والرعية لابن تيمية وهناك كتب اخرى في هذا المقام فكل هذه الأمور.

وأيضاً مما يجب على ولاة الأمور منع البغاة ومنع المحاربين ومنع قطاع الطرق والأخذ على أيديهم قال الله تعالى:( {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أو يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ , إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة :33-34] كذلك الآيات التي فيها {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } [الأنفال : 60] هذا واجب على ولاة الأمور كذلك {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة : 38] كذلك{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور : 2]

ونحو ذلك من الأوامر يدخل فيها ولاة الأمور لأنهم هم المسؤولون عن حفظ الشعائر وحفظ البلاد وإقامة الدين. هذا ما يتعلق ببعض حقوق ولاة الأمور بعد هذا نأتي الى مسألة مهمة حكم الخروج على ولاة الأمور:

الخروج على ولاة الأمور هذا من طريقة أهل البدع ومن طريقة أهل الضلال والانحراف قال العلماء:

ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة. (هذا كلام الطحاوي رحمه الله في العقيدة الطحاوية)

وجاءت الاحاديث محذرة من هذا كما ذكرت لكم قبل قليل ومنها حديث حذيفة قال يا رسول الله: إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»

وهذا صريح أيها الأخوة الكرام أن بعض الحكام يكون يستن بغير سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويهتدي بغير هديه وان بعض الحكام يدعون إلى أبواب جهنم. ومع ذلك أمر بلزوم الجماعة والإمام. ومن الأحاديث. حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق وفيه «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا، فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» وفي رواية «فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» نسأل الله العافية والسلامة.

وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال الرسول صلى الله عليه وسلم «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» يعني آخر واحد منهما ما يمكن ان يكون الامر عند خليفتين.

الحكم لابد يكون عند واحد. وجاء في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ. وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» . قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَنْ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ» اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ذكر انهم اذا اقاموا الصلاة لا يجوز أن ننابذهم بالسيف وفي رواية اخرى (ما صلوا) ثم وضح ألا من ولي عليه وال فرأه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة.

فهذا يدل على أن الكتاب والسنة دلا على وجوب طاعة ولاة الأمور مالم يأمروا بمعصية فإن أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة.

ويسأل سائل ما الحكمة من ذلك؟

الجواب:

إن طاعتهم إذا جاروا المفسدة جورهم هذه مفسدة وقد تحصل مفاسد في المجتمع إذا جاروا وظلموا لكن طاعتهم تستلزم بقاء كلمة المسلمين واجتماع شملهم اما اذا نظرنا للطرف الثاني لو خرج عليهم بعض الناس إذا جاروا فيترتب على الخروج عن طاعتهم  من المفاسد أضعاف أضعاف ما يحصل من الجور الذي حصل منهم فالجور الذي حصل منهم مفسدة لكن في الخروج عليهم مفاسد أعظم بكثير من مفسدة جورهم. فنحن لا نرضى بالجور ولكن لا نرضى أن يزال الجور بمفاسد اعظم منه ولهذا قال العلماء من الحكمة أيضاً في الصبر على جورهم. تكفير السيئات ومضاعفة الاجور وأيضاً فإن الله عز وجل ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا والجزاء من جنس العمل فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل قال الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165] {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] وقال تعالى {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام : 129]

فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم ومن هنا نصل الى مسألة اخرى وهي ان الخروج على ولاة الأمور أمر محرم في الشريعة الإسلامية حتى إذا جاروا وظلموا. خلافا للمعتزلة وخلافا للخوارج فالخوارج والمعتزلة يرون الخروج على ولاة الأمور إذا وقع منهم ظلم ويوجبون ذلك على الرعية وهذا بدعة في الدين وضلال وفساد عريض في أوساط المسلمين ثم نقول أيضا لإخواننا الكرام إن مسألة الخروج على ولاة الأمر ليست مسألة خلافية بين علماء أهل السنة والجماعة بحيث نقول إن بعض اهل السنة جوزوا الخروج وبعض أهل السنة منعوا من الخروج والراجح كذا وكذا! لا بل نقول. إن مسألة الخروج على ولاة الأمور مخالفة لمنهج أهل السنة قاطبة وهي أمر محرم في الشريعة صرحت به الأحاديث لقوله صلى الله عليه وسلم ما أقاموا فيكم الصلاة مع أنهم سألوه عمن ظلمهم. والظلم جور وقال: «أول ما يفقد من الدين الأمانة وآخر ما يفقد من الدين الصلاة» وهنا يقول ما أقاموا فيكم الصلاة فمعناه مهما قصروا في أمور الدين الأخرى إذا كانت الصلاة قائمة فلا تنابذوهم بالسيف وهذا -تقصيرهم في الدين في غير أمر الصلاة- يدل على أنهم وقعوا في الجور فهذا واضح في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومع الأسف وقع بعض الناس في اغلاط وضلت هنا افهام وزلت اقدام فينبغي للمؤمن أن يرجع إلى من عرف بالرسوخ في العلم و بضبط المسائل العلمية لأن بعض الناس يرجع الى كتب بعض المتكلمين وبعض الأشاعرة وبعض اهل الكلام أو يرجع إلى كلام بعض شراح الحديث المتأخرين رحمة الله عليهم وهم معروفون بالفضل لكن ليسوا معروفين بالرسوخ والتحقيق الشديد في مسائل العلم.  ومن هنا التبس عليهم بعض ما وقع للمتقدمين من التابعين وبعض السلف الصالح فظنوا أن ما فعله أولئك دليل على الاختلاف في هذه المسالة والصحيح أن ما فعله أولئك هو يعتبر المتقدمون في السلف من باب الغلط أو الخطأ والخطأ ليس أحد معصوم منه ولكن لا يجعل من الدين فالرجوع إلى الراسخين في العلم هذا بإذن الله تعالى من أعظم أسباب السلامة أما الاستهانة بالدماء والاستهانة بالأموال والاستهانة بهذه المسائل وأن يقول الإنسان أن هذه المسائل خلافية وتأخذ الراجح أنت هذا خطأ كبير وزلل عظيم فالواجب اتخاذ الحذر من هذه الأغلاط والحذر من متابعة من غلط والإنسان عليه المسئولية العظيمة خصوصا طالب العلم الذي يبحث عن الحق يعرف أن الحق في كلام الله وفي كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وفيما توارد عليه علماء أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين أما الأغلاط التي تقع من بعض أهل العلم والأخطاء التي تقع من بعض أهل العلم فلا تجعل حجة في رد الشريعة ولا تجعل حجة في إثارة الفتنة أو إلقاء الشبه على الناس بعض الناس يلقي هذه الشبه ليرد هذه النصوص هذه جريمة حقيقة المؤمن يجب أن يعظم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ثم نأتي إلى مسألة أخرى وهي مسألة صفة الخروج الذي يقع فيه هؤلاء الخارجون كيف يقع الخروج على ولاة الأمور؟

الجواب:

الخروج على ولاة الأمور يكون بحمل السلاح عليهم ومنابذة ولاة الأمور وخلع البيعة وترك الجماعة وشق عصا الطاعة ومنازعتهم في الحكم وهذه المسائل لا تقع دفعة واحدة بل تأتي رويدا رويدا

أولها ذكر معايب الحكام والأمراء وسب السلاطين والتحريض عليهم وإيغار الصدور ضدهم ونشر الفتاوى الباطلة ونشر الأخطاء التي سبق الإشارة والتحذير منها مثل أن يقول بعضهم فلان خرج من السلف فلان ما صبر على الظلم فلان كذا وكذا حتى يحرض الشباب ويزعم أن هذا من طريقة السلف كل هذا من التلبيسات وبعضهم يحرض بنشر الكتب فأول الباطل يكون بإتباع الهوى ثم الاجتماع عليه يجتمع ثلاثة أربعة خمسة ستة يتفقون على مسائل وربما يكون الجمع لهم نوع غيرة علي بعض أمور الدين أو بعض الاحتساب ورفع الظلم ثم يؤول إلي فتنة أو بدعة بعد ذلك فيكون الخروج أولا بالعقيدة الفاسدة ثم القول على ذلك بأن يتكلموا ويكتبوا ويحرضوا ثم يأتي نهاية المطاف بالخروج بالفعل فالخروج الفعلي يسبقه أمور مثل التحريض وإيغار الصدور والسب والشتم والاستهزاء بولاة الأمور والاستهانة بهم كل هذه الأمور من طرق الخوارج وقد يقع فيها بعض جهلة المسلمين فعلى كل مسلم أن يحذر من مبادئ الفتن مبادئ الخروج كذلك مما يلحق بذلك المظاهرات والمسيرات وما يسمى في بعض البلدان المهرجانات وإقامة الثورات هذه من أسباب الفتن ومن أسباب الشرور فالمظاهرات إذا خرج الناس في الشوارع يصيحون ويرفعون اللافتات ويسبون هذا ويطالبون بكذا هذا يقع فيه ظلم ويتأذى بعض الناس على بعض والواجب على كل مسلم أن ينصح بالكتابة والنصيحة والدعوة إلى الخير بالطرق الصحيحة إذا استطاع إن يصل إلى ولاة الأمور ما استطاع يتكلم الى من يصل إذا ما استطاع لا هذا ولا هذا ولا قدر على شيء يدعو ربه في البيت يدعو الله أن يصلح الحال وأن يصرف الشر عن المسلمين وأن يولي عليهم خيارهم هذا هو الصحيح أما الخروج في الطرقات فهذا غلط لذلك بعض الناس لا يدري ما هي العواقب هو ينظر النظرة انه يريد إزالة الظلم ثم لا يعلم ما الذي يترتب على تصرفه المخالف للشريعة ما الذي يترتب عليه من فساد عظيم وانحراف كبير وتقدم أن الناس لا يصلحون إلا بالولاة فلو قدر أسوأ أسوأ رجل يتولى عليهم بس يجتمعون عليه هذا خير من عدمه ولهذا بعض السلف يقول ستون سنة مع إمام جائر خير من ليلة واحدة بلا إمام كان على رضي الله عنه: "لا بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة، قيل له: هذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة؟ قال: يؤمن بها السبيل ويقام بها الحدود ويجاهد بها العدو ويقسم بها الفيء"

وابن تيمية يقول" الناس لا يمكنهم أيام قليلة بلا أولياء أمور بل كانت تفسد أمورهم" لهذا الخروج على السلطان شر.

قال ابن تيمية أيضا: " وَقَلَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ ذِي سُلْطَانٍ إِلَّا كَانَ مَا تَوَلَّدَ عَلَى فِعْلِهِ مِنَ الشَّرِّ أَعْظَمَ مِمَّا تَوَلَّدَ مِنَ الْخَيْرِ. كَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى يَزِيدَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَابْنِ الْأَشْعَثِ الَّذِي خَرَجَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْعِرَاقِ، وَكَابْنِ الْمُهَلَّبِ الَّذِي خَرَجَ عَلَى ابْنِهِ بِخُرَاسَانَ، وَكَأَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِمْ بِخُرَاسَانَ [أَيْضًا]، وَكَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى الْمَنْصُورِ بِالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ. وَغَايَةُ هَؤُلَاءِ إِمَّا أَنْ يَغْلِبُوا وَإِمَّا أَنْ يُغْلَبُوا، ثُمَّ يَزُولُ مُلْكُهُمْ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ عَاقِبَةٌ ; فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ وَأَبَا مُسْلِمٍ هُمَا اللَّذَانِ قَتَلَا خَلْقًا كَثِيرًا، وَكِلَاهُمَا قَتَلَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ. وَأَمَّا أَهْلُ الْحَرَّةِ وَابْنُ الْأَشْعَثِ وَابْنُ الْمُهَلَّبِ وَغَيْرُهُمْ فَهُزِمُوا وَهُزِمَ أَصْحَابُهُمْ، فَلَا أَقَامُوا دِينًا وَلَا أَبْقَوْا دُنْيَا. وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَلَا صَلَاحُ الدُّنْيَا ولهذا يقول الطحاوي: "وَلَا نَرَى السَّيْفَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أُمَّةِ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ"

فالسيف أي ركوب مذهب الخوارج واستحلال الدماء والقتل للمسلم بغير حق فهذا لا يجوز فالمسلم له حرمة فالذين يخرجون في المظاهرات يترتب على خروجهم أن بعضهم يعتدي على بعض أو بعضهم يتعمد الاعتداء ثم ينسب هذا للحاكم أو أتباعه حتى يوغر الصدور أكثر وأكثر وكل هذا من الأشياء المنكرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ يَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إلا اللهُ، وَأَنِّي رسولُ اللهِ إلا بإحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّاني، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ؛ التَّارِكُ الجَمَاعَة».

ومن هذا أيضا ما يفعله الخوارج من التفجيرات بالناس في الأسواق أو في المساجد أو في الطرقات يضعون المتفجرات ثم أذا مرت سيارة فيها شرطة أو فيها بعض أتباع الحاكم أو فيها بعض الناس فجروا فيقتل بعض من في هذه السيارة ويقتل من في السوق أو في المسجد حتى لو كان هؤلاء ليسوا بمسلمين فهذه ليست طريقة شريعة وليس هذا من دين الله عز وجل وهكذا الاغتيالات التي يفعلها بعض الخوارج يذهبون إلى أشخاص وهم في غِرَّة من أمرهم فيغتالونهم بالقتل بالمسدس أو يغتالونهم بتفجيرهم أو يغتالونهم بطعنهم فهذا من أفعال القرامطة ومن أفعال المجرمين وليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل هذا ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل كعب بن الأشرف أو أمر بقتل من يستحق القتل فهذا هو ولي الأمر الذي أمر به أما هؤلاء الذين يفعلون هذه الأشياء فهم ليسوا ولاة أمور بل هم عصابات مجتمعه فيما بينهم فلا يحتج بهم ولا يعتمد عليهم هذا ما يتعلق بمسالة صفة الخروج وحكم الخروج على ولاة الأمور

 ننتقل إلى المسالة التي بعدها بينا مذهب السلف الصالح في تحريم الخروج على الأئمة وذكرنا الأدلة في هذه المسالة ونقلت بعض أقوال العلماء بقي مسألة وهي ما حكم تعدد الدول أو ما حكم تعدد الأئمة في الدول – فكل دولة لها إمام- كل إقليم له إمام وله حاكم وله رئيس هذا الحكم كان في صدر الإسلام في وقت النبي صلى الله عليه وسلم هو ولي الأمر ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم حدثت الفرقة في زمن علي وهو الخليفة الراشد ثم اجتمع الناس بعد ذلك على معاوية ثم حدثت الفرقة بعد موت يزيد بن معاوية -مدة خمس سنوات أو ست- ثم اجتمع الناس على عبد الملك لكن قبل ما يجتمع الناس على عبد الملك كان المسلمون – جزء منهم في الحجاز- يتبعون عبد الله بن الزبير وكان آخرون يتبعون من في الشام فكل منهم له إمام يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :" والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه، فإذا فُرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة؛ لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق"

وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب:" فالأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان، له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يُعرف أن أحدًا من العلماء ذكر أن شيئًا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم"

فخلاصة الجواب انه يصح تعدد الائمة والبلدان للضرورة يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :" ولي الأمر الأعلى في الدولة لا يشترط أن يكون إماماً عامّاً للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة، والنبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «اسمعوا وأطيعوا ولو تأمَّر عليكم عبد حبشي»، فإذا تأمر إنسان على جهةٍ ما، صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً، ومن عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ والأمة الإسلامية بدأت تتفرق، فابن الزبير في الحجاز، وبنو مروان في الشام، والمختار بن عبيد وغيره في العراق، فتفرقت الأمة، وما زال أئمة الإسلام يدينون بالولاء والطاعة لمن تأمر على ناحيتهم، وإن لم تكن له الخلافة العامة؛ وبهذا نعرف ضلال ناشئة نشأت تقول: إنه لا إمام للمسلمين اليوم، فلا بيعة لأحد!! ـ نسأل الله العافية ـ ولا أدري أيريد هؤلاء أن تكون الأمور فوضى ليس للناس قائد يقودهم؟! أم يريدون أن يقال: كل إنسان أمير نفسه؟! هؤلاء إذا ماتوا من غير بيعة فإنهم يموتون ميتة جاهلية ـ والعياذ بالله ـ؛ لأن عمل المسلمين منذ أزمنة متطاولة على أن من استولى على ناحية من النواحي، وصار له الكلمة العليا فيها، فهو إمام فيها، وقد نص على ذلك العلماء مثل صاحب سبل السلام وقال: إن هذا لا يمكن الآن تحقيقه، وهذا هو الواقع الآن"

وقال أيضا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الأمة الإسلامية تفرقت من عهد الصحابة، تعلمون أن عبد الله بن الزبير في مكة، وبنو أمية في الشام، وكذلك في اليمن أناس، وفي مصر أناس، وما زال المسلمون يعتقدون أن البيعة لمن له السلطة في المكان الذي هو فيه، ويبايعونه ويدعونه بأمير المؤمنين، ولا أحد ينكر ذلك. فهذا شاق لعصا المسلمين من جهة عدم التزامه بالبيعة، ومن جهة أنه خالف إجماع المسلمين من عهد قديم".

ومن هنا نستفيد فائدة عظيمة وهي أن طالب العلم يراجع أحوال الأئمة والعلماء -ابن تيمية وابن قدامة والإمام أحمد وابن رجب وابن كثير والذهبي-ما كان حكام زمانهم مجتمعون وكان يحكمهم أناس من الجيش وكان أحوالهم يحصل فيها انقلابات كثيرة وتبدل وكل هذه الأحوال والعلماء ماشون على طريقة واحدة وهي السمع والطاعة لا يعرف عنهم التحريض على الحكام ولا التأليب على الحكام لا في الخطب ولا في الدروس التي يلقونها ولا في المؤلفات التي يؤلفها وهذه كتبهم بين أيدينا فالتالي الواجب على كل مسلم أن يعتقد السمع والطاعة لمن هو في بلده واجتمع الناس عليه فيسمع له ويطيع في غير معصية الله عز وجل هذا ما يتعلق بمسألة حكم تعدد الأئمة.

الفقرة التي بعدها نأخذ حكم البيعة للجماعات الحزبية والفرق الحزبية مثل بعض الجماعات كجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير وجماعة التبليغ وجماعة كذا وجماعة كذا يمكن تحدث جماعات جديدة أو حدثت الان ولم ندر عنها فما حكم البيعة لهذه الجماعات وهذه الأحزاب؟ هذا لا يجوز لا يجوز البيعة لهذه الجماعات لأن هذه البيعة لغير ولاة الأمور فالبيعة لرؤساء الأحزاب والجماعات وكذلك الطرق الصوفية فهذه بيعة منكرة شاذة لأن الإنسان يجعل نفسه لإمامين وسلطانين الإمام الأعظم وهو ولي الأمر(الملك) والإمام الذي بايعه وهو رئيس الجماعة أو رئيس الطريقة وهذا يفضي إلى الشر والخروج على الأئمة وأما ما جاءت به السنة من التأمير فقد جاءت في أن يؤمروا في السفر فقط يعني إذا سافر ثلاثة فأكثر في الطريق يؤمروا عليهم واحد فقط في أمور السفر وليس في جميع الأمور وإذا انتهى السفر انتهت هذه الإمارة فإمارة السفر خاصة وليست إمارة عامة وكذلك الجماعات الان صارت عندها حيل بعضهم لما تفطن الناس الى تحريم البيعة وانها لا تجوز لغير ولي الامر ذهب الى مسمى آخر قال نأخذ العهد والميثاق على الاتباع ما نأمركم بالبيعة البيعة لا تجوز لكن هذا العهد والميثاق وتتفقون معنا على السمع والطاعة لرئيسكم ومديركم المباشر -سمع وطاعة مطلقا- اول شيء يقولون لقصد تنظيم الدعوة مثلا وكذا ثم هم يلزمونهم في كل أمور حياته ويوجبون السمع والطاعة ويؤثمون من خرج.

يقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:" والخلاصة أن البيعة في الإسلام واحدة من ذوي الشوكة : أهل الحل والعقد لولي المسلمين وسلطانهم وأن ما دون ذلك من البيعات الطرقية والحزبية في بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة كلها بيعات لا أصل لها في الشرع، لا من كتاب الله ولا سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولا عمل صحابي ولا تابعي، فهي بيعات مبتدعة، وكل بدعة ضلالة وكل بيعة لا أصل لها في الشرع فهي غير لازمة العهد، فلا حرج ولا إثم في تركها ونكثها، بل الإثم في عقدها؛ لأن التعبد بها أمر محدث لا أصل له، ناهيك عما يترتب عليها من تشقيق الأمة وتفرقها شيعًا وإثارة الفتن بينها، واستعداء بعضها على بعض فهي خارجة عن حد الشرع سواء سميت بيعة أو عهدا أو عقدا " وفي مقابل هذا أيضا يُلحق بهذه الجماعات كذلك التنظيمات الليبرالية والعلمانية والاشتراكية وكل ما يمت للفكر الغربي من تجمعات وتحالفات سرية أو ربما تظهر في العلن فهؤلاء أيضاً هم مناقضون للشريعة ومناقضون للدين وهم من أسباب الخروج والفتن.

يقول الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله تعالى في نصيحة وجهها لولي العهد في زمنه فيصل بن عبد العزيز رحمه الله تعالى يقول عن الرعاع "سائر الناس كهمج رعاع" كما قال علي يقول :"هؤلاء أتباع كل ناعق ضد الدين أتباع كل ناعق ضد السياسة ضد الأخلاق وحسن السيرة ضد الأمن والطمأنينة ضد الملوكية -يعني الملكية- والولايات الشرعية أتباع كل ناعق بالفتن كل ناعق بالحرية المزعومة الغربية كل ناعق بسقوط المروءات أتباع كل ناعق وإن جهلوا غاية الناعق ومبدأه ومقاصده كما يقول المفتون في قبره "سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته" فمن كان ضد الدين فهو ضد ملوك الإسلام وأهله"-هذه الكلمة مهمة انتبهوا لها يا شباب- بعض ملوك والحكام ما يدري يقرب أعداء الدين ويظن أن هؤلاء وعندهم سياسة عنده خبرة ويستفيد من استشاراتهم وهم يمكرون بتقريبهم يمكرون ويحتالون إذا دخلوا المذهب الليبرالي والعلماني هو ضد الإسلام وضد الملوك نفسهم ولهذا نفس المذهب الليبرالي يرى أن الملكية باطلة ويجب القضاء عليها ويرى الملكية فاسدة يقول الشيخ "فمن كان ضد الدين فهو ضد ملوك الإسلام وأهله ومن كان ضد ولاة الأمور فهو ضد الدين وإن تظاهر بالنصرة للإسلام لأن الإسلام ينهاه عن كل ما يمس السياسة الرشيدة والإسلام يقول «من فارق الجماعة قيد شبر فمات فميتة جاهلية» والإسلام

يقول "من أهان إمام المسلمين أهانه الله" و"السلطان ظل الله في أرضه" فمن خرج على الإمام يريد نصرة الإسلام بزعمه فهو كاذب ما لم يعين ما اخل به الإمام ويناصحهُّ سراً مراراً ثم يعلن له ذلك عند العجز في السر "ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم «إنه سيكون عليكم ولاة تعرفون منهم وتنكرون قال رجل أفلا ننابذهم يا رسول الله قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة» فهذه سياسة الإسلام للشعوب مع ولاة أمورها لما يترتب على منازعة الوالي من ذهاب الإسلام وتسلط الأعداء واراقة الدماء و الفوضى وانتهاك الأعراض وسلب الأموال كما هو مشاهد الان-الشيخ يقول عبد الله بن حميد في زمنه- في كثير من البلدان العربية كل انقلاب يحدث يذهب فيه عشرات الألوف من الناس كما هو مشاهد الآن في مصر والعراق وسوريا واليمن والجزائر وغيرها نسأل الله السلامة وبما انه قد علم أن الدين والملك أخوان يقوى هذا بقوة صاحبه ويضعف بضعفه كان من المتعين على ملوك الإسلام التمسك بالدين وحمايته وصيانته عن كل ما يناقضه أو ينقصه لا سيما مثلكم فإنه لم يبق الآن من ملوك الإسلام من يؤمل فيهم النصرة للدين سوى هذه الاسرة الميمونة ولا تزال محط أنظار العالم الإسلامي وكيف ولا وانتم حماة الحرمين الشريفين وحماة قبلة المسلمين بمشارق الأرض ومغاربها وأسلافكم الأفاضل هم كانوا حماة الدين ومنارا ساطعا لرفع راية التوحيد" اهـ (الدرر السنية 2/27)

ومع هذا كله فأهل السنة يعتقدون وجوب نصيحة الحكام ودعوتهم إلى الخير ونهيهم عن الشر والإنكار عليهم بالطريقة الصحيحة والنصيحة على درجات قد تكون أمامه -كما في الحديث- وقد تسر والإسرار أفضل وأكبر نفعا وتجب النصيحة على من يغشاهم ويخالطهم ويغشا مجالسهم والدعاء لهم بظهر الغيب بالهداية والصلاح ويحرم غشهم كأن يصحح افعالهم أو يصحح قراراتهم المخالفة للشريعة المخالفة للظلم الذي وقعوا فيه أو يشجعهم على الباطل -في أناس يفعلون هذا لا هم لهم الا الدنيا وارضاء ذوي الجاه والسلطان نسأل الله العافية والسلامة- فهذا غلط وهذا غلط ولهذا يجب على الحكام أن يقربوا الناصحين الصادقين المعروفين بالعلم والسنة والتوحيد والمعروفين بالعقل والحكمة وبعد النظر وأن يبعدوا من ظهر منه الشر والفساد وسوء النية وتقديم الدنيا على الآخرة نسأل الله العافية والسلامة.

هذه كلمات حول هذا الموضوع المهم وقبل أن نختم الموضوع نحب أن نحيلكم إلى مراجع مهمة

مثل كتاب لابن باز بعنوان المعلوم في الواجب بين الحاكم والمحكوم وهو أجوبة أجاب عليها على أسئلة فبعد ذلك أخرجت في هذا الاسم وكتاب  معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة للشيخ عبد السلام بن برجس آل عبدالكريم كتاب مفيد. 

وكتاب جهود شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير الإمامة والرد على المخالفين د. شرف الدين بدوي وهو كتاب طيب ونافع ورسالة دكتوراه في الجامعة الإسلامية مفيدة جداً وكتاب ضوابط معاملة الحاكم عند أهل السنة والجماعة رسالة علمية في الجامعة الإسلامية د. خالد الظفيري وقد نبه فيها ص39-116 على أخطاء لدى بعض المعاصرين فيراجعه طالب العلم لمزيد الفائدة نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا

محمد وعلى اله وصحبه اجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته