دروس فضيلة الشيخ

الصحابة والإمامة_ الدرس السادس

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فهذا هو الدرس السادس من دروس برنامج التأصيل العلمي الذي تشرف عليه الجمعية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة، ونحن الآن بصدد الحديث عن افتراق هذه الأمة وبيان أن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية وهم الطائفة المنصورة، ومظاهر الانحراف في باب الجماعة.

والجماعة حق لفظ شرعي، وهو لفظ حق، والجماعة تقدم أنها جماعة عليمة بلزوم الحق ولزم الصراط المستقيم، وجماعة عملية بلزوم السلطان والاجتماع على ولي الأمر في غير معصية الله، والاجتماع مع المسلمين على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والحج ونحو ذلك من أمور الدين وترك الشذوذ والفرقة والخلاف والخروج على جماعة المسلمين، فالجماعة لأجل هذا سموا جماعة، ورب العالمين ذكر هذا في القرآن في قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [آل عمران/103]، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، لما ذكر حديث الافتراق فقال: «إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة -يعني الأهواء- كلها في النار إلا واحدة» وهي الجماعة، وفي رواية قالوا: «من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي» فقوله صلى الله عليه وسلم وهي الجماعة: دل على وجوب الاجتماع على الحق، واجتماع مع المسلمين على طاعة الله ورسوله، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الافتراق واقع لا محالة، وأن أهله على هلاك، لقوله: «ستفترق على ثلاث وسبعين ملة –يعني الأهواء- كلها في النار إلا واحدة» فهذا الوعيد الشديد فيمن فارق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وهذا يبين أن هذا أمر واقع لا محالة والله عز وجل قدره على هذه الأمة، ابتلاء واختباراً للعباد، فالواجب على المؤمن أن يجاهد نفسه في أرض كان وفي أي بلد وفي أي زمن، يجاهد نفسه على تعلم ما جاء به الكتاب والسنة، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة يتعلم ذلك ويعمل به قدر الطاقة قدر استطاعته، ومن بذل وسعه، وحصل منه الخطأ في أمر فلا نقول له إلا كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة/286]، أمر من فرط فهو ملوم.

ومما يدل على أن الجماعة رحمة: ما رواه الإمام أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاردة القاصية، فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد» وهذا الحديث قد تكلم في سنده من جهة أنه مرسل لكن معناه دلت عليه النصوص وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، فهذا فيه التحذير من التفرد عن المسلمين والانعزال عنهم بترك الصلاة وترك المسجد، وترك الجمعة.

ومما جاء في هذا المعنى: الآية الكريمة وهي في الصحيحين لما أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ﴾ [الأنعام/65]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك»، ﴿أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ [الأنعام/65]، قال: «أعوذ بوجهك»، ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ﴾ [الأنعام/65]، قال: «هاتن أهون» وهذا الحديث في البخاري ومسلم، أو هو في البخاري وفي السنن.

فدل هذا الحديث على أنه لابد أن يلبسهم شيعاً ويذيق بعضهم بأس بعض، نسأل الله العافية والسلامة، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الحال، فهذا ليس معناه إقرارهم على هذا التفرق وأن يُذِيق بعضهم بأس بعض، لا، بل هذا يدل على أن هذا أمر قد قدر فحذروا منه، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: «فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» فأخبر أن الذي سيتأخر وفاته سوف يرى الاختلاف، وسوف يرى الإحداث في الدين والتفرق، ثم أمر صلى الله عليه وسلم بأمر عظيم: «فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ» فأمر صلى الله عليه وسلم بالتمسك بالسنة ونهى عن الاختلاف والإحداث في الدين، وأخبر أنه واقع لا محالة: «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» فهذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض ويدل بعضها على ما دل عليه البعض الأخر، والخلاصة أن الاختلاف ولافتراق منهي عنه، وهو محرم، وهو يدل على أن المختلفين تركوا شيئاً من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وتركوا شيئاً مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك خرجوا عن الجماعة، ولهذا أهل السنة والجماعة هم الذين لزموا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم من المسلمين.

أما من خرج عن هذا الصراط فهو شُذاذ، ومتفرقون ومبتدعون وأهل أهواء، وهم أيضاً شعارتهم باطلة، فتجد الرافضة يجعلون شعارهم بغض الصحابة أو بعضهم، والخوارج شعارتهم الخروج على الأئمة والمعتزلة كذلك، وكل بدعة وكل طائفة لها شعارات مخالفة، واجتمعوا على عدم تعظيم الكتاب والسنة وما أجمع عليه السلف، ولهذا من قال بالكتاب والسنة وبما أجمع عليه السلف الصالح واحتج بهذا وجعله مقدم على كل شيء فهو من أهل السنة والجماعة، وهذا أبرز علامة وأصل تميز به أهل السنة والجماعة، أن شعارهم ودثارهم وقولهم وعقيدتهم الاعتماد على كتاب الله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى ما أجمع عليه السلف الصالح، وهذه الفرق خالفت هذا إما صراحة وإما بلحن القول، وأيضاً خالف هذا إما كلياً أو جزئياً، فالمقصود أن هذه الفرق كثيرة وأصولها ترجع إلى فرقة الخوارج وهي أول طائفة خرجت وفرقة تكونت ثم الشيعة ثم القدرية، ثم المرجئة، هذه أصول الفرق، فالخوارج تميزوا ببدعتهم وهي الخروج على جماعة المسلمين واستحلال الدماء والتكفير بغير الحق، والشيعة امتازوا عن بقية الفرق ببغض الصحابة وسبهم مع ما قد ينضاف إليها من بدع أخرى، والقدرية عرفوا بإنكار القدر وأن الله عز وجل لم يعلم الأشياء ولا يعلم الأشياء.

والمرجئة عرفوا بإخراج العمل عن الإيمان، فهؤلاء هم أصول الخوارج، وقد سُئل يوسف ابن أسباط وعبد الله ابن المبارك رحمة الله عليهم لما بين أصول البدع فقالوا: الروافض والخوارج والقدرية والمرجئة، قيل لابن المبارك: فالجهمية؟ قال: أولئك ليسوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان عبد الله ابن المبارك يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية، فكثير من أهل العلم أخرجوا الجهمية كالجعد بن درهم وتلميذه الجهم بن صفوان ومن سار على طريقتهم الخبيثة أخرجوهم من الطوائف المتفرقة، وقالوا: هؤلاء يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، هؤلاء عقائدهم عقائد كفرية مخرجة من الملة.

والمسألة فيها خلاف، بعض العلماء قال: الجهمية هم من ضمن الفرق، وجعلوا أصول البدع خمسة، ومسألة إخراج الجهمية، هذه مسألة تحتاج إل تفصيل، فالجهمية هم أنواع ودرجات، فمن صرح تصريحاً واضحاً بإنكار أسماء الله وإنكار صفاته فهؤلاء كفار وقد توارد الكلام عن السلف في تكفيرهم، فكفروا هؤلاء الجهمية وهم يسمون عند بعض العلماء الجهمية المحضة، مثل من ينكر الصفات والأسماء ويقول: إن الله لا يرى في الأخرة. ويقول: القرآن مخلوق. فهذا المقالات أطلق السلف والأئمة التكفير بمن قالها.

أما الجهمية الذين ليسوا مثل هؤلاء تأثروا بهم ولكن عندهم بعض الأشياء وعندهم بعض الصواب، وعندهم أغلاط أخرى، فهذا محل تأمل، ومحل نظر، وكلما ازداد العلم وظهر الحق يزداد خطورة هذه المقالات حتى لو كانت مقالة واحدة كإنكار العلو أو إنكار الرؤية رؤية الله في الدار الأخرة، وإنكار أن الله يتكلم، فهذه الأمور خطيرة جداً.

فنصل إلى نتيجة وهي: أن الفرق الباطنية اتفق العلماء على أنهم مخالفون للإسلام، فالقرامطة الباطنية وأمثالهم هم أبعد الناس عن الكتاب والسنة، وهم شر من الخوارج وشر من عامة الشيعة وشر من القدرية وشر من المرجئة، بل القرامطة والإسماعيلية والدروز والنصيرية هم محاربون لأهل الإسلام، فهذه الطوائف يجب الحذر منها كلها، ويجب التحذير منها وعدم التساهل فيها، والمقصود أننا نصبر على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

والفرق هل سبعون أو ثلاثة وسبعون فرقة بالتحديد؟ الناس تكلموا في هذا في تعيين الفرق الهالكة وأكثروا في هذا، وهناك كتب مصنفات خاصة مثل: كتاب الملطي الشافعي، وكتاب أبي الحسن الأشعري المقالات، وكتاب الشهرستاني، وكذلك ابن حزم والبغدادي عبد القاهر، وهذه الكتب فيها بعض الأخطاء إلا كتاب الملطي الشافعي لكنه مختصر جداً، وبعض الطوائف المذكورة إذا نظرت إليها وجدت أنها يصلح أن يضم بعضها إلى بعض من جهة التشابه، لكن تجد الطائفة الواحدة تتشقق وتتشرذم وتختلف، وأهل القول الوحد يحصل بينهم انقسامات فتجد بعضهم يسمي هذه الأقسام ويسمي هذه الانقسامات ويجعلها مسميات جديدة، على كل حال الافتراق في الدين هو مفارقة بعض الدين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام/159]، قرأت هذه الآية الكريمة بالألف: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ﴾، وكان أبو هريرة رضي الله عنه وغيره يقولون: هذه الآية نزلت في أهل الأهواء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالواجب الحذر كل الحذر من مفارقة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

والمصيبة العظيمة التي يخشى منها على العبد أن المفارق لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم يزين له عمله، قال الله تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً﴾ [فاطر/8]، فهذا من المصائب العظيمة أن أهل البدع يلقي ليهم الشيطان الاستحسان لبدعهم وعقائدهم، فيظن أنه على صواب، ويظن أنه على هدى، ولهذا قال بعض السلف: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها وأما البدعة فلا يتاب منها، ومن هنا نعرف أن هذا الافتراق ليس خاصاً بمن سبق، لكن ما ذكر قديماً يتكرر حديثاً، فالخوارج لا يزالون يخرجون، والرافضة لا زالوا موجودين بأصناف وأنواع شتى، وكذلك المعتزلة، القدرية، وكذلك المرجئة، وكذلك الجهمية، ثم حدث بعدهم الابتداع في العبادات وهو التصوف، ثم توسع التصوف حتى صار في العقائد فاجتمعت البدع وتنوعت وتوزعت، وأهل السنة والجماعة ولله الحمد وسط في هذه الفرق، وسط في باب أسماء الله وصفاته، وسط في الأسماء والصفات بين أهل التعطيل الجهمية وبين أهل التمثيل المشبهة، وكذلك في القدر في باب خلق الله وأمره، أهل السنة والجماعة وسط بين المكذبين بقدرة الله، الذين لا يؤمنون بقدرة الله الكاملة ومشيئته الشاملة كالقدرية النفاة وبين الجبرية المفسدين للدين، الذين يجعلون للعبد ليس له مشيئة ولا اختيار بل هو مجبور على كل شيء، ويعطلون الأوامر والنواهي والثواب والعقاب، فهؤلاء الجبرية قولهم في مقابل مقولة القدرية، وكذلك في باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد هناك ضلالات كثيرة فالوعيدة من الخوارج والمعتزلة الذين يجعلون صاحب الكبيرة خالد مخلد في النار، ويخرجونهم من الإيمان، والمعتزلة يقولون هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر، والخوارج يقولون هو كافر، ومن الخوارج من يكذب بشفاعة النبي صلى الله عله وسلم، وينكر الأحاديث النبوية، وينكر السنة.

ويقابل هؤلاء المرجئة: المرجئة يقولون: الفاسق مؤمن كامل الإيمان، بل بعض المرجئة لأنه جعل الإيمان هو التصديق فقط يقول: إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء، ويكذبون النصوص الدالة على الوعيد والعقوبة، أو يحرفون معانيها.

وأهل السنة والجماعة يقولون: إن فساق المسلمين معهم أصل الإيمان، لكن ليس معهم الإيمان الواجب الذي يدخلون به الجنة، ولكن معهم أصل الإيمان، لكن لا يخلدون في النار، بل جاءت الأحاديث المتواترة على أنهم يخرجون منها مدام أهل توحيد.

وكذلك أهل السنة والجماعة وسط في موضع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، وسط بين الغلاة الذين يغلون في علي رضي الله عنه وآل البيت، ويفضلونه على أبي بكر وعمر وعثمان ويعتقدون أن علي هو الإمام المعصوم، وأن الصحابة ظلموا وفسقوا، وأن الصحابة اغتصبوا حق علي ثم يكفرونهم ويكفرون الأمة كذلك.

ومن الروافض من يجعل علي رضي الله عنه إله ونبي.

مقابل لهؤلاء الذين يسمون الناصبة الذين جفوا وأساءوا في حقي علي رضي الله عنه وأهل البيت، فبعضهم من الإباضية، وبعضهم من الناصبة، وبعضهم من بعض الفرق الضالة يكفرون علي رضي الله عنه، وربما كفروا عثمان، ويستحلون دماء الصحابة الذين يتولونهم ومن جاء بعدهم، فمن رأوه يمدح علي ويحبه سبوه واستحلوا دمه، ويقدحون في خلافة علي، كل هؤلاء ضلال، فأهل السنة والجماعة وسط في الصحابة يحبون جميع الصحابة ويترضون عنهم ويعرفون مكانتهم ومنازلهم ويعطون لكل ذي حق حقه ولا يرون أن يتكلم في أحد من الصحابة بل ينهون عن ذلك أشد النهي.

وكذلك نقول: في سائر أبواب الدين وأبواب الإسلام وأبواب السنة، أهل السنة والجماعة وسط، لأنهم متمسكون بالكتاب والسنة، وسائرون على ما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم.

ومن هنا يتضح لنا أن ما يحدث في أزماننا المتأخرة من الافتراق، ومن البدع هو مرجعه إلى تلك الأصول، وإلى تلك البدع القديمة، فهناك من شابه الروافض بل هو رافضي، وهناك من مشي على طريقة الخوارج، وهناك من مشى على طريقة المرجئة، وهناك من مشى على طريقة القدرية، والصوفية، فالمسلم يسعى بتخليص نفسه.

كذلك الفلسفة لما حدثت في القرن الرابع وما بعده، هناك من سار على هذه المناهج الفلسفية، وازاد الشر لما التقى بعض الناس قبل مائي سنة ببعض الأوربيين وصاروا يروجون مقالتهم وضلالتهم ويتعاملون مع دين الإسلام كما يتعامل الملاحدة مع دين النصارى المحرف، فأزداد الشر وازاد البلاء، وهذا يتوجب أن يكون طالب العلم مستحضر لأهمية نزول السنة والجماعة، ومدرك لخطر الافتراق افتراق هذه الأمة، ومبيناً للمسلمين أن الطائفة المنصورة والفرقة الناجية والجماعة الحقة هي إذا كان المسلم على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.

ومن أبرز مظاهر الانحراف في الجماعة هو أن الإنسان يجوز لنفسه ويسوغ لنفسه مخالفة الأحاديث أو الآيات، أو مخالفة منهج السلف لاستحسانات، أو لرأي رآه فيتساهل مع بدع الروافض أو بدع الجهمية أو بدع المرجئة، هذا لا يجوز.

ومن أبرز مظاهر الانحراف عن الجماعة هو أيضاً النظر في كتب أهل البدع أو الأهواء وترويجها وطباعتها ونشرها في أوساط المسلمين فإن هذا نشر لبدعة.

ومن أبرز مظاهر الانحراف أيضاً ترويج الأحاديث المكذوبة، والتي فيها تأسيس لبعض البدع، وهي ليس من كلام النبي صلى لله عليه وسلم، فبعض الناس يعتقد أنها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فيظل ويظل، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ [الأعراف/152]، فهؤلاء مفترون في عهد بي الله موسى، ذكر الله شأنهم وهم أنهم اتخذوا العجل عبدوه في أول الأمر شبهة ألقاها الشيطان في قلوبهم، وجمعوا الحلي واستحسنوا تعظيمه ثم عبدوه، واعتقدوا فيه، ونهاهم نبي الله هارون فلم ينتهوا، فأخبر الله عز وجل أن هؤلاء عندهم عناد عظيم، ولهذا ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ [الأعراف/152]، فيجتمع فيهم الأمران:

الأول: الغضب من الله عز وجل.

الثاني: الذلة في الدينا.

كذلك في الأخرة، ولكن هذا ليس خاصاً بمن عبد العجل واتخذه من دون الله، بل هذا لكل مفتر، لأن الله قال: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ [الأعراف/152]، يعني ومثل تلك العقوبة، ومثل ذلك العذاب نعاقب به المفترين، فكل مفتر على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى دينه ﴿سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا﴾ [الأعراف/152].

ومن أسباب الخروج عن الجماعة: الغلو في الدين: والله عز وجل قال: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾ [النساء/171].

وكذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة/77]، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين».

ومن أسباب الاختلاف والفرقة والخروج عن الجماعة: البغي ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى/14].

ومن أسباب الخروج على الجماعة: اتباع مشايخ والتعصب لهم، والتقليد الأعمى، واتباع ما كان عليه الباء والأجداد فهذه حجة قديمة وجديدة تتكرر، والله عز وجل قال: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى﴾ [النجم/23]، إذاً، الهدى هو الذي جاء من الله وليس الذي عليه الآباء والأجداد فقط، إلا إذا كان الآباء والأجداد على الكتاب والسنة فالحمد لله، لكن لا نتعصب لأنهم هم الآباء والأجداد، ولكن نتبع الكتاب والسنة ونفرح أن الآباء والأجداد كانوا عليه، هذا إذا كانوا على السنة، وعلى الصراط المستقيم، وهذا كثيراً ما يقع.

ومن أسباب الانحراف عن الجماعة: الحسد، وتعظيم الدينا، فيحدث الحسد بين الناس العداوات والإحن ثم يجتمع بعضهم إلى بعض، ويتحزبون على بعض بحيث أنه ينظم بعضهم بعضاً حتى تكون هذه جماعة وهذه جماعة وهذا يتكلم في هذا، وهذا يتكلم في هذا ثم تصير فرقة في الدين وتصير فرقة لها رأس ولها شيخ ولها زعيم، ويغلون في هذا الشيخ، والغلو في المشايخ أحياناً يصل بهم الغلو إلى أنهم يعبدونهم من دون الله عز وجل، نسأل الله العافية والسلامة، كما عليه بعض أصحاب الطرق الصوفية، فهذا كله من أسباب الانحراف أو من مظاهر الانحراف في باب الجماعة.

ومن مظاهر الانحراف في باب الجماعة: التمرد على ولاة الأمور والخروج عليهم، والتحريض على الخروج.

وكذلك من مظاهر الانحراف عن الجماعة: الشذوذ في المسائل العلمية وإثارة الفتن، والتشويش بين الناس وهذا كله غلط.

ومن مظاهر الانحراف عن الجماعة: إلقاء الأسماء بين الناس، كل مجموعة تسمي نفسها باسم ويتحزبون لهذا الاسم، ويقولون: نحن الجماعة الفلانية، نحن كذا، أنت منا أو لست منا، نحن جماعة الأحباب، نحن جماعة التبليغ، نحن جماعة الإخوان المسلمين، نحن الجماعة العليمة الفلانية، نحن الجماعة السلفية الفلانية، هل أنت منا، انضم إلى لواءً بايع الرئيس، كن معنا في التنظيم، لا، هذا ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في هدي الصحابة رضي الله عنهم، وإذا قال لك واحد: أنت من هذه الفرقة أو من هذه الفرقة؟ قل له: أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وسُئل عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما فقيل له: أنت على ملة علي أو على ملة عثمان؟ فقال: لست على ملة علي ولا على ملة عثمان بل أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواجب الحذر من هذه التفريقات وهذه الأسماء إلا الأسماء الشرعية، مثل اسم الإيمان والإسلام والسلف الصالح، والصحابة والجماعة هي أسماء شرعية، ولهذا بعض السلف يقول: كل هذا الأهواء في النار.

ويقول أحدهم: ما أبالي أي النعمتين أعظم علي: أن هداني الله للإسلام، أو جنبني هذه الأهواء، والله تعالى قد سمانا في القرآن المسلمين المؤمنين عباد الله، فلا نعدل عن هذه الأسماء إلى أسماء أحدثها قوم سموها ما أنزل الله بها من سلطان، أما الأسماء التي للتعريف مثل القبائل أو البلدان فتقول: أنا فلان المصري، أنا فلان السعودي، أنا فلان الكويتي، أنا فلان العراقي، أنا فلان السوداني، أنا فلان المغربي، فهذه لا بأس.

كذلك في مسائل القبائل ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات/13]، تقول: أنا فلان القحطاني أنا فلان الدوسري أنا في العتيبي لا بأس، وكذلك هذا للتعارف وليس للتعصب، ليس هناك مزية لهذه البلد أو هذه القبيلة في الدين ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات/13].

وكذلك الانتساب إلى المذهب الذي تفقه فيه لا بأس، هذا من باب التعريف، فيقول: فلان الحنفي، فلان الشافعي، فلان المالكين فلان الحنبلي، كلن ليس هذا معناه أنه يتعصب له، ويوالي على الاسم ويعادى عليه، بل أكرم الخلق عند الله هو أتقاهم من أي طائفة كان ومن أي بلد كان.

وهذا يبين لنا خطورة التعصب في هذه الأشياء التي أباحها الله عز وجل، فهذا الانتساب انتساب مباح، لكن لا نتعصب فيه، ولا نفارق الجماعة فإن العاقبة وخيمة إذا تعصبنا لهذه الأسماء، وهذا من أسباب الانحراف، حتى لو حصل خلاف فالخلاف يعالج إذا كان الخلاف فيما يسوخ فيه الخلاف وفي مسائل الاجتهاد فلا بأس، ولكل أن يعمل بما هداه الله عز وجل له، وإذا كان الخلاف في مقابلة الدليل الصريح الواضح فهذا الذي خالف الدليل مخطئ لا شك، فننصحه ولكن إذا أبى وأصر فإنا لا نثير الفتنة، ولا نثير الأمر ونجعله سبباً للنزاع والمضاربة أو المقاتلة، ولهذا جماعة في أحد البلدان في أفريقيا كانوا يقولون بالمذهب المالكي كما يقولون أو بعض ما يروي عن مالك: أنهم يسدلون أيديهم في الصلاة إذا قاموا في الصلاة.

قام بعض الناس بتعلميهم السنة، وانتشرت السنة، وعرفت، فصار هذا أمر ظاهر، لكن ما الذي حدث؟ حدث أن تنازعوا وحصل بينهم عدوات، ثم صار مضاربة ومقاتلة بينهم، هذا لا يجوزن نحن نبين للناس أن هذا هو السنة وأن هذا هو المشروع، وأن إسدال اليدين غير مشروع، لكن ما نجلس ننتقل من هذا البيان إلى المنازعات وكذلك المضاربات والاعتداء على بعض، نسأل الله العافية والسلامة، فنعدل حتى مع الذين أخطأوا، حتى مع الذين خالفوا السنة، لا نظلمهم فنوصل إليهم الحق ولا نظلمهم، وهم سيحاسبهم ربهم إن كانوا مجتهدين وقد بلغوا الغاية في الاجتهاد ومع ذلك وصلوا إلى هذا فإن الله سبحانه وتعالى يطلع على ما في قلوبهم، وإن كانوا مفرطين، ومتهاونين، فإنهم محل عقوبة الله عز وجل لأن الحجة قامت عليهم، وهذا يقودنا إلى مسألة مهمة، وهي: أن الاختلاف والافتراق قد يكون اختلاف تنوع مثل: القراءات السبع، فلا يجوز أن ننكر على بعضن لكن لا يأتي شخص عند أهل البلد فيشوش عليهم بقراءة لم يعهدوها وهذا لا ينبغي، لكن إذا تعلمها طائفة منهم، تعلموا جميع القراءات هذا حسن جداً، وهذا هو المطلوب، وهذا فرض كفاية، لكن لا يأتي عند العامة فيقرأ عليهم بخلاف ما تلقوه حتى لا يكون فيه تشويش وأخطاء.

كذلك الاختلاف في الأذان، أذان ابن أبي محظورة، وأذن بلال، وكذلك الإقامة والاستفتاح في الصلاة، وكذلك متى يسجد للسهو، قبل أم بعد؟ وصيغة التشهد الأول وكذلك صفة صلاة الخوف، وكذلك تكبيرات العيد، فهذا الاختلاف يسمى اختلاف تنوع لا يوجب الإنكار، مع الأسف يقع خروج عن منهج أهل السنة والجماعة حتى يقع بعضهم في الاقتتال بسبب شفع الإقامة، أو إيتار الإقامة، وهذا من اتباع الهوى أو هذا من الخروج عن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم.

النوع الثاني من الاختلاف: اختلاف تضاد، يعني قول منافي للحق، ليس هناك فيه وجه حق، وهذا القول إما أن يكون في مسائل الفقه أو يكون في مسائل العقيدة.

في المثال الأول: مثل الذي يخل بصلاته فلا يطمئن فيها إطلاقاً بل ينقرها نقراً، فهنا الصواب الحق الظاهر هو الطمأنينة في الصلاة في جميع أركانها، والذي ينقرها نقراً ويقول فلان قال كذا، ويفتي، فهذا خالف الحق خالف الدليل فيرد إلى الحق، ويلزم إذا كان ولي الأمر من أهل العلم ومن الحريصين على المسلمين، يلزمهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما إذا كان ولي الأمر لا يهتم بهذه الأمور أو كان عنده نفس هذا الخطاء فلا حول ولا قوة إلا بالله، المؤمن يبين الحق ويكل أمره إلى الله عز وجل.

النوع الثاني من الاختلاف في مسألة التضاد هو: الاختلاف في العقيدة، مثل مقالات المرجئة ومقالات الجهمية، ومقالات القدرية، كلها باطلة، فيجب أن يبين الحق للناس فإذا كان في الإمكان أن يوضح ويدرس فتزال الشبه هذا الواجب، وإذا لم يتيسر هذا فالإنسان يبين الحق ولا يبالي والحمد لله أن الله هداه للحق.

فالمقصود أن هذا لا يجعله سبباً في سل السيف على الأمة، وقتال الناس وهذا كله غلط ولا يجوز وليس بمنهج أهل السنة والجماعة.

المثال الأول: اختلاف التنوع في قوله تعالى: ﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الحشر/5]، اللينة: النخلة. اختلف الصحابة هل تقطع الأشجار أم لا؟ فقطع قوم وترك أخرون، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.

وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً﴾ [الأنبياء: 78، 88] ، فخص سليمان عليه السلام بالفهم وأثنى على داود وسليمان عليهما السلام بالحكم والعلم، ولم يقل إنه سليمان لما فهمها أن داود ليس بذاك، لا.

إذاً هذه من الأشياء التي يفتح الله بها على العبد فإذا فتح عليه لا يبغي على غيره، ومثل أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم للصحابة: «لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة» فقوم صلوا في الوقت في الطريق، وقفوا وصلوا، وقم أخروها إلى بعد العشاء أخذاً بالظاهر، هذا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر»، نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا للصواب، لكن الاختلاف الذي يؤول إلى الأهواء بين الأمة هذا اختلاف محرم، وإذا آل إلى سفك الدماء واستباحة الأموال والأعراض والعداوة والبغضاء هذا لا يجوز، ومن أسبابه الغي كما تقدم، والبغي هو مجاوزة الحد ومجاوزة الحد هي من المحرمات التي يقع فيها صاحب الحق أحياناً، وبعض الناس معه حق لكن لا يحسن عرضه، وبعض الناس معه حق لكنه يسب بغير حق مقابله وخصمه، فيتمسك الخصم والمقابل بذلك السب على رد الحق فيزداد الشر بينهما، وهذا هو البغي، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذروني ما تركتم فإنما هلك من كان قبلكم لكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبياءهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، فأمرهم بالإمساك عما لم يؤمروا به، لماذا؟ لأنه قال: «إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، وذكر أن من قبل إنما هلكوا لكثرة السؤال ثم الاختلاف، والمراد بالاختلاف: المخالفة. يعني: المعصية، يسأل ويسأل عما لا يحتاج وإذا جاء العمل لا ينفذ ولا يعمل نسأل الله العافية والسلامة، ولهذا نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يحرص على العلم لأجل العمل، وليس لمجرد التفاخر أو مجرد التباهي، أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الحق، وهذه المسألة مسألة عظيمة، ويجب علينا أن نلزم طريقة الصحابة، قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة/100]، فقوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ﴾ دليل صريح على وجوب اتباع هؤلاء لأنهم هم الموعودون بالجنة.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً﴾ [النساء/115]، فبين أن اتباع غير سبيل المؤمنين وهم الصحابة من أسباب دخول جهنم ﴿وَسَاءتْ مَصِيراً﴾، فالمؤمن يخاطب نفسه ويراجع نفسه ويراجع أقواله، ويراجع كل ما يبدر منه، هل أنا حريص على أن أكون مثل الصحابة، هل أنا أحبهم، هل أحب طريقتهم؟ إذا كان هكذا، فهو على خير إن شاء الله حتى لو حصل تقصير، وإذا كان لا، مبغض للصحابة، شانئ لهم، مستهتر بهم، يرى أن الفلاسفة خير منهم، ويرى أن المتكلمين خير من الصحابة، فهو قد جنى على نفسه بهذه الميول، وبهذه العقائد الخبيثة، وهو متوعد لأن الله قال: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً﴾ [النساء/115]، فالواجب الحذر.

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى في أهل الجنة الصحابة رضي الله عنهم ذكر المهاجرين ثم الأنصار ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر/10]، ولهذا نسأل الله جل وعلا أن يثبتنا على ما كان عليه الصحابة، والتابعون لهم بإحسان، وهم إخواننا نعتقد إخوتهم ونعتقد فضلهم، ونعتقد سبقهم، سبقونا بالإيمان ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ﴾ [الحشر/10]، فهم أهل سبق نعتقد أنهم أفضل منا وخير منا، نرجو الله أن يلحقنا بهم، هذا عقيدة المسلم، وهذا اعتقاده ظاهراً وباطنًا، ونبرأ إلى الله عز وجل من كل ما خالف هذا، من كل ما خالف طريق النبي صلى الله عليه وسلم وطريق الصحابة رضي الله عنهم، نبرأ إلى الله منه، ونسأل الله أن يثبتنا على الإسلام والإيمان وعلى السنة وأن يختم لنا بذلك ونسأل الله أن يعصمنا من الفتن ومن الأهواء المضلة والباطلة والمذاهب المتفرقة، فهذه المذاهب الخبيثة التي افترقت، وخرجت عن الصراط المستقيم، تودي بصاحبها إلى النار، فنعوذ بالله منها، ومن أهلها الذين خالفوا الجماعة وخالفوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وحالفوا الضلالة وحالفوا البدعة، وحالفوا أعداء الله فنحن منهم برآء، ونسأل الله أن يثبتنا على السنة وأن يعصمنا من الفتن ما ظهر منا وما بطن.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته