دروس فضيلة الشيخ

الصحابة والإمامة_ الدرس الرابع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ودرس اليوم يتناول فقرتين مهمتين:

الأولى: مظاهر الانحراف في باب الإمامة

الثانية: الإمام المنتظر عند الرافضة

المسالة الأولى:  تظهر لنا من خلال ما سبق ذكره من الآيات والأحاديث الواردة عن نبينا صلى الله عليه وسلم  ومن منهج سلف الأمة فإن أهل السنة والجماعة ساروا على طريقة واحدة ولله الحمد والمنة، وهم يقولون بعقيدة واحدة راسخة وهي: السمع والطاعة لولاة الأمور في غير معصية الله مع النصح وحب الخير و التعاون معهم علي البر و التقوى

أيها الإخوة الكرام يقول الطحاوي رحمه في العقيدة الطحاوية: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله -عز وجل-  فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة)

هذا الكلام يبين لنا بعض مظاهر الانحراف؛ فأولها الخروج على ولاة الأمور بالسيف أو الخروج بالقول قبل السيف،  فإنه لا يمكن أن يكون خروجًا بالسيف إلا وقد سبقه خروج بالقول والتحريض، وهذا حتى لو جاروا لأن الكلام في الأئمة إذا ظلموا أو جاروا أو فسقوا هذا هو البحث، وهذا خلاف جرى بين أهل السنة والمخالفين فيه فلهذا صار أهل السنة يتركون الخروج على ولاة الأمور ما صلوا كما قال النبي صلي الله عليه وسلم. 

وأما أهل البدعة فيرون الخروج علي ولاة الأمور إذا جاروا وظلموا، ولهذا تعرف أن هذا المذهب مذهب الخروج على ولاة الأمور لذلك سموا بالخوارج لأنهم خرجوا على ولاة الأمور والأمة ويرون السيف على أمة محمد صلي الله عليه وسلم

 وهذه من التعبيرات العلمية التي درج عليها السلف فيقولون فلان يرى السيف، ويقولون أيضًا ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-  إلا ما وجب عليه السيف يعنون بذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ; يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ; الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ»

وذلك أن الخوارج يرون السيف على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-  يعني يرون أن يسيفوا السيوف ويخرجوا على ولاة الأمور بالقتال إن حازوا عن المسلمين، ثم يستعدوا لقتال المسلمين، ثم يبدأون بقتال أهل الإسلام بالفعل

ومن صور ما كان عليه الخوارج قديما ما يسمى بالقتل بالاستعراض .

    استعرض بسيفه يعني أن يأتي إلى القرية أو المدينة أو السوق والناس في غفلة في أمورهم من بيع وشراء فيأتي هذا الخارجي وحده أو معه مجموعة معهم سيوفهم وقد أغمدوها أو أخفوها ولما اقتربوا من الناس فيشهرونها يمنة ويسرة ويقتلون من صادفهم ويسمى بالاستعراض بالسيف وهذا ما فعله ما يسمى بـ شبيب الخارجي وفعله كثير من الخوارج وما يزال الخوارج حتى اليوم يسلكون هذا المسلك مثل: ما يسمى بالتفجيرات من سيارات وما غيرها. هذه من أفعال الخوارج.

ومن ذلك أيضًا ما يعتقده المعتزلة: فإنهم يعتقدون أن الأئمة إذا جاروا أنه يجب الخروج عليهم ويسمون هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيجعلون الشعار شعارًا شرعيًا  ولكن يضمنونه وجوب الخروج على السلاطين والأمراء إذا جاروا أو فسقوا وظلموا، وجعلوا هذا من أصولهم الخمسة، فالمعتزلة لهم أصول خمسة وهي:  (التوحيد، والعدل، وإنفاذ الوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

فالتوحيد عندهم نفي الصفات.

والعدل نفي القدر.

وإنفاذ الوعيد القول بتخليد العصاة في النار في الآخرة من الموحدين إذا ماتوا على الكبائر من غير توبة فإنهم مخلدون في النار.

والمنزلة بين منزلتين:  يطلقونها على المسلم إذا ارتكب المعاصي، فيقولون هو ليس بمسلم ولا مؤمن ولا كافر بل هو في منزلة بين منزلتين

وهذا من تناقضاتهم العجيبة وبدعهم التي لم يسبقهم عليها أحد

 والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:  يراد به الخروج علي ولاة الأمور بالسيف إذا وقع منهم ظلم أو جور

فهؤلاء المعتزلة ضلال، وأجمعت الأمة علي ابتداعها، وإنها فرقة ضالة خبيثة، وتطابقت أقوال الأئمة في التحذير منهم، والتشهير بهم وعيبهم وذمهم بهذه المقولات الفاسدة

إذًا هذه من صور الانحراف الخوارج ثم المعتزلة

ويجدر التنبيه: إلى أن المذاهب القديمة الآن غير موجودة ولها أهلها يدعون إليها وبنفس شبهات المتقدمين تتكرر الشبهات وتتكرر البدع إنما يأتي أشخاص يمثلون من سلفهم من أهل البدع، فالخوارج اليوم سلكوا مسلك الخوارج المتقدمين في أنهم يخرجون على ولاة الأمور ويستحلون الدماء والأموال والأعراض ويرون السيف على أمة محمد صلي الله عليه وسلم .

وكذلك المعتزلة وهي مدرسة تقدم العقل، وهذه المدرسة تسمى الآن المدرسة العقلانية والمعتزلة الآن موجود مذهبهم في بعض الزيدية أو غالبهم والإباضية، وغالب الشيعة، وغالب المدارس العقلانية في مصر والشام، فهذه المدارس الآن لازالت تعيد نفس ما كان يقوله مقدموهم وأسلافهم ولكن عندهم بعض الاحتيال والمكر في تغيير بعض الألفاظ حتى تروج على عامة المسلمين ولا يشعرون أن هذا هو قول المعتزلة.

هذا من مظاهر الانحراف وقد تقدمت الإشارة إلى أن الخروج يكون أيضًا بالقول والتحريض وكان السلف يسمون هؤلاء الخوارج القعدية أو الخوارج القعدة ويقولون على الواحد منهم أنه قعدي أو خارجي قعدي

ما معني قعدة؟ أي إنهم يقعدون في بيوتهم ولا يحملون السلاح ولا يقتلون أحدًا ولكنهم يحرضون غيرهم على ذلك

فالتحريض هو أن يقول لماذا أنت جالس هنا؟ لماذا هذا يظلمك؟ أما تخرج فتقتله؟ ألا تفعل كذا وكذا فيحرضه بالقول

كذلك يدخل في ذلك الفتوى الباطلة مثل الكذب على العلماء، أو اتخاذ بعض الجهاال علماء ثم يقول للناس هذه فتوى من فلان فيحرضهم على القتال والخروج وهذا أشد ما يكون على عوام المسلمين؛ لأن عوام المسلمين يتأثرون بمن يُظهر الدين وينتحل الإفتاء وينتحل الصلاح والعبادة والعلم ويظهر شيء من ذلك فإن هذا أثره في الناس أشد  من أثر المفسدين كأهل الغنى وأهل الفساد أو الذين عندهم أفكار ضالة فإنهم كلهم خطر ولكن أثر الذي يُظهر الدين ويتمسك بالدين في الظاهر الأمر أثره إذا فسد كلامه أعظم وأخطر

ولهذا كان يقول  بعض السلف زلة العالم زلة العالم فالعالم إذا زل زل، وراؤه خلق كثير

فكيف إذا لم يكن عالمًا؟ ولكن قدمه بعض الناس وحسَّنُوا صورته، وزينوه، وصار يتكلم بزخرف القول.

إذًا الخوارج القعدة نفس ما قلنا في الخوارج والمعتزلة، وهم موجودون الآن كما كانوا موجودين قديمًا

والخوارج القعدة مهمتهم التحريض، وإثارة الفتن، والأحقاد، وإغارة الصدور، وإظهار سب الأمراء والسلاطين.  هذا من صور ومظاهر الانحراف في مسائل الإمامة

كذلك ما يتعلق  بصور الخروج على ولاة الأمور: 

فمن ذلك المظاهرات والثورات وما يسمى بالمسيرات والتجمعات التي يُقصد بها  النيل من الحاكم وسبه علنًا كل هذا مما يقع به الفساد في الأرض 

وقد ظهرت وصدرت فتاوى كبار العلماء الراسخين في العلم مثل سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله-  والشيخ العثيمين -رحمه الله-   والشيخ صالح اللحيدان والشيخ الفوزان والشيخ عبد المحسن وعشرات من الراسخين من أهل العلم أفتوا بحرمة المظاهرات والثورات وتحريم المشاركة فيها أو الدعوة إليها؛ لأنها من أعظم أسباب الفتن ومن أعظم أسباب الخروج وهي من صور الانحراف في مسائل الإمامة. هذه في طرف

في طرف آخر هناك من يغش الحكام ويزين لهم باطلهم ويصحح لهم أحوالهم السيئة  من  البدع أو الشركيات أو الكفريات أو الخرافات أو يزين لهم إتيان الفجور أو يزين لهم أو يُحَسِن لهم الظُلم للعباد ويخفي عنهم حوائج الرعية.  فهؤلاء مجرمون ومفسدون وبطانة السوء فهم يظهرون  لبعض الحكام  التودد وهم في الحقيقة يضرون بهم وليس هذا الضرر مقصورًا عليهم بل الضرر يعم علي الجميع. 

ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «سيكون يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم قال: لا ما صلوا لا ما صلوا أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه»

فلا يجوز متابعتهم في المعاصي ولا يجوز متابعتهم فيما يغضب الله عز وجل

أيضًا من صور الانحراف في مسائل الإمامة خلع البيعة بأن يقول لا بيعة في عنقي لولي الأمر وهذا ورد في حديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-  «من خلع يدًا من طاعة الله لقي الله يوم القيامة، لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية» وقال «من فارق الجماعة، فإنه يموت ميتة جاهلية» وقال -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ».  

والحديث الأصرح من هذا  «خيار أئمتكم: الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم: الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم» قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئًا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدًا من طاعة» هذا هو الواجب؛ وهو لزوم الجماعة

ومن مقتضى لزوم الجماعة إتمام البيعة، واعتقاد أن في عنق الإنسان بيعة لولي الأمر حتى لو لم يبايع بيده، فلا يشترط أن يصافح بيده لكن إذا بايع أهل الحل والعقد، تم الأمر وصارت هذه بيعة لازمة لجميع أفراد المجتمع الذين تحت قيادة ولي الأمر

ومن صور الانحراف في مسائل الإمامة أن بعض الناس يقول لا تثبت الإمامة ولا تصح إلا إذا اجتمع كل الناس على سلطان واحد. فمثلاً أقصى البلاد الإسلامية من جهة الشرق إلى أقصى البلدان من جهة الغرب هذه البلاد وما في الوسط كالجزيرة والشام وبلاد الجنوب كالصومال والسودان

يقول بعض الناس يجب أن تكون كل هذه البلاد تحت سلطان واحد، وإن لم يكن سلطان واحد فإن السلاطين على كل إقليم وكل بلد لا سمع لهم ولا طاعة، وهذا من الانحرافات الخطيرة وقد تقدم الإشارة إلى الرد على هذه الانحرافات  في الدرس الماضي ونقلت لكم كلام الشيخ العثيمين وكلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهما من أهل العلم.

ومن ضمن الشبهات والانحرافات التي يلقيها بعض الناس أنهم يقولون أن  الحج والجهاد ماضيان إلى قيام الساعة مع ولاة الأمور. ومعني هذا يقول هؤلاء إذا كان الحج والجهاد ماضيان إلى قيام الساعة لا يبطله شيء ولا ينقضه شيء إذًا ولي الأمر الذي ليس عندهم جهاد في هذا الوقت ليس بولي أمر.

بالتالي يقول هؤلاء المفتونون نجد أن التنظيم الفلاني يشيرون إلى تنظيمات من تنظيمات الخوارج يقومون بالقتال الآن؛ لأنهم هم الذين يقاتلون.

والجواب عن هذا أن نقول أن كل بلد مسلم له والٍ فإن هذا يرتبط أهله بذلك الوالي ولا يجوز الخروج عليه إلا إذا أمر بمعصية، فلا يسمعون ويطيعون في تلك المعصية.

أما التنظيمات التي تنشأ وهي مخالفة وشاذة، وتنشأ في السر، ثم تظهر هذه تنظيمات غير شرعية. لا يجوز الانضمام تحتها بل الانضمام تحتها هو انخراط في البدعة وفي مذهب الخوارج  ومذاهب أهل البدع، ولكن كيف يقول هؤلاء إذا كانوا قائمين بالجهاد فهذا دليل على أنهم ولاة الأمر لأن البلدان الأخرى لم تقم بالجهاد.

نقول لهؤلاء

أولاً: الجهاد المشروع ليس ما يفعله الخوارج من هذا القتال.

ثانيًا: الجهاد المشروع يكون مع ولي الأمر الظاهر القادر  القاهر الذي له السلطة، ولا يكون مع المختفي أو مع الذي يبايعه عصابة مختفية وليس له نفوذ ولا قوة ولا شوكة.

ثالثًا: أن الجهاد  استمراره في كل يوم، وفي كل وقت، وفي كل شهر، هذا خاضع للمصلحة بمعنى أن ولي الأمر هو الذي يرى المصلحة في العهد، أو في الصلح، أو في إقامة الجهاد، أو في غير ذلك مما يراه، ويجب عليه أن يسلك مسلك النظر المصلحي للمسلمين، وليس بالضرورة أن يكون الجهاد كل يوم، وقد دل على هذا صلح الحديبية فإن النبي -صلى الله عليه وسلم-  عاهد كفار قريش على ترك القتال عشر سنين، فلو كان ترك القتال في ذلك الوقت دليلاً على باطل لم يفعله الرسول -صلى الله عليه وسلم-  فعلم أن ترك القتال في وقت لمصلحة المسلمين أن هذا لا بأس به، وذلك أن قد يكون بالمسلمين ضعف، وقد يكون حاجة إلى المال، وقد يكون الجيش للكفار أقوى، أو قد يكون هناك موانع أخرى، فالله عز وجل قال: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}

فهذا قد يقطع بالمسلمين فهذه من الانحرافات أن بعض الناس يصور للناس أن الحج والجهاد لابد أن يكون كل زمن، فإذا توقف! إذن الذين توقف عندهم الحج أو الجهاد ليسوا بولاة أمر

ثم نختم بمسالة أن قول العلماء في حديث والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برهم وفاجرهم، إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما معناه أنه لا يمكن أن يأتي ولي أمر ويقول أوقفت عنكم الجهاد ونسخت حكم الجهاد، ولا يشرع لكم الجهاد مطلقًا قد أسقطته.

 هذا لا يمكن لأحد أن يبطله لا حاكم ولا عالم ولا غيرهما، ولا ينقض الجهاد شيء، فالجهاد باقٍ إلى قيام الساعة لكن عند وجود أسبابه والقدرة والطاقة عند المسلمين. 

هذا جواب على انحراف يسيره بعض الخوارج وبعض المفتونين فيقولون: الحق مع أهل الثغور نقول نعم إذا كانوا من أهل السنة والجماعة، وملازمين لولاة الأمر والسمع والطاعة

أما أهل الثغور إذا قصد بهم العصابات التي تهرب، أو الجماعات التي تتمرد، وإن ظهر من بعضهم تدين فلا عبرة بهم. 

ومن الانحرافات في باب الإمامة الانحرافات التي تدعو إليها الرافضة فإن الرافضة يدَّعون أن الإمام يكون معصومًا ومشرعًا، ويأخذون عنه أمر دينهم، ثم إنهم يقولون عنه أنه إلى الآن لم يظهر فهو منتظر.

الحقيقة صار الإمام المعصوم إمامًا معدومًا ثم هذا الإمام الذي ينتظرونه من سنة 260 هجريًا إلى الآن لم يخرج فهؤلاء أخسر الناس صفقة.

بهذا يُعلم أن هذا من الانحرافات الكبيرة في مسألة الإمامة، وهي انحراف شديد خطير ومع الأسف إن هؤلاء الرافضة على هذه البدعة الخطيرة

ولي الأمر أو الإمام أو الحاكم أو الخليفة لا يشترط أن يكون معصومًا  بل هو من جملة أهل الإسلام، والمسلم يُرد عليه الخطأ والغلط والذنب أيضًا . هذا من الأشياء التي يجب الحذر منها، وهي من بدع الرافضة المشهورة في الاعتقاد بأن الأئمة معصومين

كذلك من الانحرافات في باب الإمامة التي لأجلها سَوَغَ بعض الخوارج قتل رجال الأمن، ما يسمي بمسألة التترس  ومسالة التترس هذه معناها عند العلماء ما كان قد يقع أحيانًا في بعض الغزوات بين المسلمين والكفار. كان الكفار يأتون ببعض أسارى المسلمين أثناء الغزوة يأتي بهم الكفار فيجعلونهم في مقدمة الجيش مثل أن يكونوا على سور الحصن الذي جاء المسلمون لفتحه فيربطون المسلمون الأسارى على السور حتى لو وقع سهم أو رمح لأصاب المسلم فقتله

حينئذ يتحرج المسلمون كيف يريدون قتل الكفار ثم يجدون إخوانهم الأسرى مربوطون على السفينة أو الحصن في مقدمة الجيش الكافر فماذا يفعل المسلمون؟ هذه مسالة التترس

وقد بحث الفقهاء قديمًا ونظروا فيها فهناك حالات أفتى العلماء فيها بالتربص والانتظار وألا يقصد قتل مسلم ولو كان مربوطًا

الثاني أيضًا من المسائل التي ذكرت في هذا الموضوع أن الأمر إذا كان فيه مفسدتين الأولى عظمى والثانية صغرى، فالمفسدة العظمى أن يجتاح الكفار بلاد الإسلام، واحتلال البلدان وهؤلاء ربطوا في جيشهم بعض الأساري من المسلمين حتى لو أراد المسلمين قتالاً لقتل هؤلاء في أول الرمي فالمفسدة العظمي احتلال الكفار لبلاد المسلمين فيقتلون ويسفكون الدم ويهتكون العرض.

المفسدة الثانية قتل الأساري وعددهم محدود، فإذا نظرنا للأمرين فإننا نقول نرتكب المفسدة الدنيا أو الصغرى لدفع المفسدة الكبرى.

وبهذا أفتى بعض العلماء في حالات الضرورة القصوى فإنه يجوز أن يقتل هؤلاء لكن لا يكون قتلهم قصدًا إنما يكون تبعًا بمعنى ألا يقصد المسلم المقاتل توجيه سهامه إلى أخيه المسلم

هذه مسألة التترس

ما علاقتها بما نحن فيه؟

من الانحراف في مسائل الإمامة لما أردوا استحلال الدماء لَبَّسوا على بعض الشباب فقالوا يجوز أن تقتل بعض المعاهدين من اليهود والنصارى الموجودين في بلاد الإسلام، وبعضهم يضيف إلى ذلك أنَّه يجوز أن تقتل رجال الأمن المسلمين؛ لأن هؤلاء المعاهدين أو رجال الأمن من باب التترس. 

قالوا كما أن المسلمين من قبل  إذا وضع أساري من المسلمين في مقدمة جيش الكفار فهؤلاء الذين نحن الآن في بعض البلاد نريد القتل والتفجير فيقتل بعض المعاهدين أو بعض رجال الأمن هؤلاء يكون مثل التترس قديمًا فيجوز لأن عندنا مصلحة عظمي

ما هي؟

مصلحتنا العظمي نقتل كذا ونحصل على كذا

هذه كلها قياسات فاسدة من الشيطان باطلة

لهذا نقول لهم صورة مسألة التترس تختلف عما أنتم فيه

أنتم الآن في بلاد الإسلام والتترس في قتال بين المسلمين والكفار لكنهم مع الأسف حتى لا يخفى علينا أنهم يكفرون المسلمين فيقول هؤلاء الخوارج أننا كفار ومع هم يتظاهرون ويوهمون بعض أتباعهم بهذا

ثم لو كنتم في بلاد الكفار وبينكم عهد فلا يجوز نقض العهود

ثم أيضًا من قال بجواز قتل الأساري المسلمين إنما قالوا لذلك لأجل المصلحة إذا خيف الضرر على المسلمين أما قتل المعاهدين أو رجال الأمن أو بعض المارة ليس فيه مصلحة بل من الإفساد العظيم. 

والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما رمى بالمنجنيق في الطائف . ذاك الوضع كان حالة حرب وحصار لأهل الطائف ولم يكن قتالهم إلا بذلك، فلا تقيسوا المشركين والكفار في الطائف في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم-  على المسلمين الذين  في بلدان الإسلام اليوم فهذا قياس مع الفارق وقع بين جيشين حربيين؛ جيش مسلم، وجيش كافر بلا درى ولا خيانة

أنتم ليس هناك جيوش بل تأتون بالناس وتغدرون وتخونون

لهذا هذه المسألة مهمة جدًا أن نتنبه لشبهات الخوارج الذين يريدون نقض جماعة المسلمين وإفساد الأرض بسفك الدماء فيحتجون بمثل هذه الشبهات

ومن المسائل التي تعتبر من الانحرافات في مسائل الإمامة ما تقدم الإشارة إليه من إنكار بعض المبتدعة لولاية العهد كذلك إنكار المبتدعة والمفتونين في مسألة صحة المتغلب، وقد تقدم ذكر كلام العلماء وأن هذه المسالة ثابتة في الشريعة

ذلك من الانحرافات عند بعض الناس في الإمامة أنهم يجعلون حق الاختيار لولي الأمر هو من حق الشعب كاملاً والشعب يدخل فيه جميع أنواعه وجميع أشكاله وجميع طبقاته ممن فيهم من رعاع الناس وغوغاء وسفهاء الأحلام وأهل الشرور وأهل الفساد

كل هؤلاء صار عند بعض هؤلاء المفتونين يدخلون تحت اسم الشعب وليس أهل الحل والعقد كما تقدم ذكره

وكذلك الديمقراطية الغربية تجعل الفرد العادي له رأي محترم ويجب استشارته ولا يصادر حقه وهذا خلاف ما عليه علماء الإسلام وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- 

هؤلاء الذين يسمون أنفسهم ديمقراطيين على مذهبهم أن الخوارج أيضًا لهم حق التعبير عن الرأي وكذلك أهل الفتن لهم حق وهذا ما يحاول بعض الناس أن يُدخل هذه الأشياء في بلاد الإسلام باسم التطور وباسم التقدم.

كذلك من الأخطاء العظيمة والخطيرة في باب الإمامة أن هؤلاء يقولون إن ولي الأمر  لما بويع بالإمامة والولاية أن هذا عقد بين الطرفين والعقد يجوز فسخه ولابد أن يكون العقد عن تراضي والجواب عن هذا تقدم الإشارة إليه

أولاً: إما فسخه فهذا قد بينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه لا يجوز فسخ البيعة ولا نقض البيعة والسمع والطاعة بل هذا من فعل الخوارج لكن هؤلاء يقولون بجواز فسخ العقد وهذا شأن الخوارج والمعتزلة.

ثانيًا: يقولون أن البيعة تكون عن تراضي وليس عن إجبار

والجواب عن هذا نقول إذا كان أهل الحل والعقد بمحض رأيهم قد اختاروه وتمت لهم البيعة واجتمع الناس عليه، فالحمد لله فهذا فيه تراضي واجتماع كلمة، وإذا كان هو اختار وليًا للعهد لمصلحة المسلمين، ثم تمت له البيعة، فالحمد لله هذا أيضًا فيه الخير.

وإذا كان عن طريق الغلبة بالقوة و صارت له الشوكة، وتمكن من السيطرة حينئذ نقول يسمع له ويطاع حتى لو لم يرضي بعض الناس.

الرضا لا يمكن أن يتحقق في أي شخص مهما كان، ومهما بلغ فلابد أن يوجد من لم يرضى فلا يقال لمن لم يرضى أن يخرج. هذا مذهب فاسد وباطل

بعضهم يقولون لماذا تكون البيعة لولي الأمر إلى موته؟ نقول لهم لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وبعضهم يقول هذه ثقافة فارسية

لا هؤلاء سلكوا ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم

وأما القول بأن الحاكم وكيل فقط مع تفويض وهو نائب عن الناس وليس تفويضًا إلهي فقد تقدم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة الشرعية فهو وكيل وولي. 

وقال ابن عثيمين -رحمه الله- أن الأمراء  نواب الله على عباده أي: أن الله استنابهم على العباد ليقيموا شريعة الله سبحانه وتعالى فيهم

والخليفة أو الحاكم وكيل الناس على أنفسهم، وهم وكلاء للعباد على نفوس العباد والشعب كأنه قال كونوا لنا حكامًا لتقيمونا وتعدلونا على شريعة الله

حكم الإمامة بمعنيان النيابة والوكالة هذا هو المقصود ولا نقول أن الحاكم له عقد وكالة فقط لا في نيابة عن الشرع إنه يجب بأن يحكم بشرع الله

لهذا ما يسمى بنظرية العقد الاجتماعي التي تقوم في بعض معانيها ومفاهيمها على أن الحكام مجرد وكلاء وبينهم وبين الشعب عقد وكالة قابل للفسخ، هذه النظرية غير معتبرة عندنا في السلام، ولا نعتمدها، ولا نغتر بمن قال بها، ولهذا دلت النصوص على وجوب السمع والطاعة في غير معصية الله، وهذا يخالف النظرية

ودلت النصوص الشرعية على: الصبر على جور الولاة بل قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ»، «من خلع يدًا من طاعة الله لقي الله يوم القيامة، لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية»، «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».

أما ما يقول بعضهم أن عمر قال إن بيعتي لن تكون إلا عن رضا المسلمين. هذا لم يثبت عن عمر رضي الله عنه

وعمر رضي الله عنه قال بخلافة الشورى وهذا لم يوثقه من نسبه إلى عمر فعمر رضي الله عنه تولى الأمر بتوجيه من ولاية عهد من أبي بكر الصديق رضي الله عنه

فقصده والله اعلم أنه يشاور أهل الرأي والخاصة وأهل الحل والعقد

وقول علي أن بيعتي لا تكون إلا عن رضا المسلمين هذا عن أهل العقد والحل وإلا لا يُتصور أن الناس كلهم يرضون عن علي

عامة لا يجوز أن نرجع إلى هذه الآثار لرد النصوص الشرعية وتثوير وترويج النظريات الغربية.

والنبي -صلى الله عليه وسلم-  أفضل خلق الله فهو رسول من عند الله ومؤيد من عند الله ومع ذلك لما دعا إلى الله لم يستجيب له إلا القليل في مكة ولما صارت معه دولة في المدينة وصار له سلطان وصار له منعة ودار فتح الله على الناس وعلى قلوبهم بالإسلام، ولهذا حسان بن ثابت رضي الله عنه قال:

دعا المصطفى دهرًا بمكة لم يجب  ... وقد لان منه جانب وخطاب
فلما دعا والسيف صلت بكفه ...   له أسلموا واستسلموا وأنابوا

رضي الله عن الصحابة أجمعين وصلي الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

أما من الانحرافات أيضًا مثلما قلت لكم أن بعض الناس يريد تحديد وقت الحاكم بمدة معينة أربع سنوات أو خمس هذا ليس عليه دليل، ويجب أن نعرف  أن الطريقة الصحيحة هي ما كان عليه الإسلام وليس في تقليد الغربيين، ولا في الأخذ بأنظمة الغربيين، وهذه المسائل الآن  يروجون لها ويروجون حتى لقضية الخروج بمثل ما يفعله الغربيون حتى في التعبيرات

يأتون بما يسمى بالحراك السلمي، والعنف وكلمة ثورات مثلاً لم تأت إلا من الغرب ويقولون مثلاً إنه يجب  أن نشيع بين الناس العقد الاجتماعي  لجان جاك روسو

هذا كله من الأشياء الغريبة، الذي يتأثر بهذه الضلالات ويجلبها للمسلمين من جانب فلاسفة منحلين بائسين مخفقين كل ثوراتهم وانقلاباتهم يهلك فيها الآلاف المؤلفة من البشر.

فكيف نترك ما جاء به  محمد  -صلى الله عليه وسلم-  إلى جدل وضلالات هؤلاء

حتى أن بعضهم يأتي بمقولات لبعض اليهود يقولون نريد أن نسقط الدولة الحديدية أو البوليسية أو الدولة القوية نسقطها بطرق كثيرة فيقول الناس تعبير باللباس.

البسوا لباس معين، أو شعارات وملصقات، أو بالونات، أو عدم الاستجابة، أو كذا وكذا ويذكرون حوالي عشرات الطرق كلها لأجل التحريض وإنشاء جماعات معارضة بالمال والفكر والرأي ثم يدعمونها أولئك الكفرة.

فالحقيقة هذا كله من الانحرافات في باب الإمامة، والمسلم نقول له عليك أن تُلقي قلبك وسمعك لكتاب الله عز وجل، ولا تلتفت لما عند الكفرة واليهود

كما قال الله عز وجل عنهم: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾

والنار تبدأ بالفتنة، والتحريش، والإغراء، والمكر وإظهار المعايب،  والمخادعة، والآن هم يخادعون الناس بمسألة العدالة والحرية وحق  الرأي، وحق المرأة وحق الطفل، والشعارات الماكرة، وهم أول من يطأ على هذه الشعارات ويدوسها

وهم أول من يهين الشعوب، ويقتلها ويسفك الدماء، وهم أول من يهين المرأة

كل هذه الأشياء لا نلتفت إليها يا إخواني، وكلها انحرافات في باب الإمامة، وسببها التخليط في ما عند الأعداء

وهذا الأمر في هذا الوقت ظهر جليًا بسبب كثرة الفتن وبسبب وجود دعاة الضلالة وبسبب وجود من يلبس على الناس أمر دينهم

نسأل الله العافية لنا ولكم ولجميع المسلمين

هذا ما يتعلق بمظاهر الانحراف في باب الإمامة

أما الإمام المنتظر عند الرافضة وضلالهم فيه فقد تقدم الإشارة  إلى هذا وذكرنا كلام العلماء أن هؤلاء ينتظرون محمد بن حسن العسكري، وبالإمكان للطالب أن يرجع إلي منهاج السنة النبوية في الرد علي الرافضة والقدرية  لشيخ الإسلام ابن تيمية فقد أوسع هذا الموضوع في الحديث والبيان والرد على ضلالات الرافضة وخرافاتهم وهذيانهم.

أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم  العلم النافع والعمل الصالح وأن يهدينا سواء السبيل، ونسأل الله أن يحفظ على المسلمين أمنهم واستقرارهم، وأن يصلح لهم ولاة أمرهم، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يصرف عنهم ويكفيهم شر شرارهم، ونسال الله جل وعلا أن يصلح ولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين، وأن يجعلهم رحمة لمن تحت أيديهم، ويوفقهم للحكم بالكتاب والسنة، والعدل بين الرعية، إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته