دروس فضيلة الشيخ

الصحابة والإمامة_ الدرس الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد على آله وصحبه أجمعين

نبدأ بعون الله تعالى في مطلع هذه الدروس في برنامج التأصيل العلمي الذي تقيمه وتشرف عليه الجمعية السعودية العلمية لعلوم العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة جزاهم الله خيراً ونسأل الله تعالى أن ينفع بهذا البرنامج وأن يجعل ما نقوله ونفعله خالصاً لوجهه الكريم مقبولاً عنده موافقاً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم  

قبل أن نبدأ بالشرح التفصيلي فقرات المنهج متعلقة بمسألتين:

  • المسألة الأولى: الإمامة
  • المسألة الثانية: الصحابة

ففي الإمامة والجماعة نتناول ما المراد بالإمامة وتعريف الإمامة وحكم نصب الإمامة وطرق انعقاد الإمامة وحكم تعدد الأئمة وحقوق ولاة الأمر على الرعية وواجباتهم وكذلك مذهب السلف في تحريم الخروج على الأئمة و الأدلة على ذلك وأيضاً ثبوت خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه و الخلافة بعده لعمر ثم لعثمان ثم لعلي رضي الله عنهم ثم الإشارة لموقف الرافضة ثم ماذا يقول الرافضة في الإمامة المنتظر وقواعد للرد على المخالفين في مسائل الإمامة والرد على أهم الشبهات ثم مسألة الجماعة معنى الجماعة وأهميتها ووجوب لزومها وحرمة الفرقة و الشذوذ وخطورة هذه المسالك ثم افتراق هذه الأمة وأن أهل السنة هم الفرقة الناجية ومظاهر الانحراف في باب الجماعة هذه المسألة الأولى وما يتفرع عنها

والمسألة الثانية الصحابة ما المراد بالصحابة، تعريف الصحابي مكانة الصحابة وفضلهم والمفاضلة بينهم وما يجب لهم والأدلة على ذلك وعدالة الصحابة والرد على المخالفين ثم الكلام عن الخلفاء الراشدين في فضلهم وطرق انعقاد خلافتهم مع الاستدلال والمناقشة للمخالفين أيضاً المراد بالسابقين الأولين من الصحابة كذلك العشرة المبشرين بالجنة وبعض من فضائلهم عقيدة أهل السنة في الصحابة بإجمال ثم بتفصيل ثم حكم من سب الصحابة أو أبغضهم

ومسألة الموقف مما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم والرد على الروافض والخوارج وذكر قواعد في الرد على المخالفين في هذا الباب ثم تختم مسائل الصحابة ببيان ما يتعلق بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من هم وما مكانتهم وحقوقهم وعقيدة أهل السنة فيهم وحقوق أزوج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيتهم وحكم الطعن في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والكلام عن موقف المخالفين كالرافضة والنواصب من أهل البيت والرد عليهم هذه أبرز المسائل التي ستكون عليها الدروس إن شاء الله تعالى

 ونبدأ اليوم بالحديث عن الإمامة وتعريف الإمامة العظمى وحكم نصب الإمامة وقبل أن نبدأ بهذا (نقول)

مما يظهر ويعلم أن الشريعة الإسلامية شريعة شاملة وكاملة أتت بحفظ الدين والعرض والمال والنفس والعقل وأتت بحفظ المجتمعات وحفظ الافراد وأتت بكل ما فيه مصلحة للعباد في الحال وفي المآل  

فكما أن الشرائع فيها خير للعبد في آخرته وفيها كذلك خير للعبد في دنياه وحياته فقد نظمت ورتبت ووضحت ما فيه الخير ونهت وحذرت مما فيه الشر والهلاك ومن المسائل الكبار التي تُلحق عند أهل السنة والجماعة بأركان الإيمان الستة من جهة ذكرها بعد أركان الإيمان الستة تذكر مسائل الإمامة والجماعة وكذلك تذكر مسائل الصحابة لأن هذين الموضوعين الكبيرين لهما تعلق كبير بأركان الإيمان من عدة اعتبارات من جهة أن الله عز وجل شرع ذلك وأمر به وأوجبه على العباد من جهة التأله له والتعبد له بطاعته في ذلك

وكذلك التصديق لما جاءت به الرسل والانقياد والتسليم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وضح ما يتعلق بهذه الأمور أتم توضيح

 وكذلك ما جاء في الكتب فإن الكتب -وأعظمها القرآن- قد جاء فيه ما يوضح فيه مسائل الإمامة والصحابة

ومن جهة أيضاً أن المخالفة في هذه المسالة-مسألة الصحابة ومسألة الإمامة- ينبني عليها المخالفة في أركان الإيمان

فهؤلاء الذين وقعوا في الخروج أو العكس وهو الإرجاء أو بغض الصحابة أو الغلو في بعضهم كل منهم قد عرف عنه ضلالات في الإيمان -تعريف الإيمان وفي الموقف من الذنوب وفي الموقف من أهل الذنوب-

ولهذا هذه المسائل مسائل كبرى فبعض الناس يظن أنها مسائل فقهية هي مسائل عقدية المخالفة فيها مخالفة في عقيدة أهل السنة والجماعة ولهذا يجب العناية بها وقد بين ولله الحمد ربنا عز وجل في كتابه ما يحتاجه العباد وبينه الرسول  صلى الله عليه وسلم وجاء فهم السلف الصالح في مقدمتهم  أصحاب النبي رضي الله عنهم  جاء موضحا لهذه المسائل أتم توضيح ومبيناً أتم بيان فما فعله الصحابة هو التطبيق العملي الذي يجب على المسلمين أن يحذوا حذوه و أن  يستنوا سنتهم وأن يتأسوا  به لقول النبي صلى الله عليه وسلم «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة» فقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم ما  يوضح ما يحتاجه المسلمون فيما يتعلق بالإمامة  وكذلك في طرق انعقادها  و كذلك في حقوق  ولي الأمر على الرعية وكذلك حقوق الرعية على ولي الأمر كذلك جاء عنهم ما يتعلق بالخروج وأحكامه وكذلك التحذير من مظاهر الانحراف في مسائل الإمامة فالحمد لله تعالى

ولهذا من لزم طريقة السلف الصالح نجا وسلم ومن أخذت به الأهواء يمنة ويسرة فنسأل الله عز وجل أن يهديه إلى سواء السبيل ونسأل الله وأن يجنبنا طريق هؤلاء الضالين والمغضوب عليهم

إذا لا حاجة لنا أن نرجع للأنظمة البشرية التي عارضت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فالنظام الإسلامي شامل وشافي وكامل وصالح لكل زمان ومكان ومن يزعم انه يحتاج إلى أنظمة أخرى تكمل النقص فهذا ناتج عن جهله العظيم بما جاء في الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح

 فمن اجتهد في تحري ذلك في الكتاب والسنة عرف صحة منهج السلف وصحة طريقة الصحابة وعرف بطلان ما عليه الطرق المخالفة

 ومن هنا نعرف أن الكلام في الأنظمة الحديثة البشرية مثل الأنظمة التي تسمى النظام الجمهوري وهو القائم على الديمقراطية وهو من أنظمة الحكم المعاصرة وكذلك الأنظمة الشيوعية وهي قائمة على بسط سلطة العسكر والجيش وعدم السماح للفردية بالتدخل وإنما تكون هي حكم شامل لهؤلاء البلاشفة الشيوعيين فيما يرونه ويعتقدونه ويلزمون به الشعب فهؤلاء وهؤلاء على طرفي نقيض فهذا يتبع الطريقة الرأس مالية العلمانية وهذا يعتمد الطريقة الشيوعية الاشتراكية البلشفية

 ثم هؤلاء سبقهم من سبقهم وإذا نظر الناظر في كلامهم ربما يجد أنهم يتصلون بالفلاسفة الأوائل الفلاسفة اليونانيين الذين ضلوا عن سواء السبيل فيهتدون بهم فيسلكون مسالكهم مع تعديلات وزيادات وإجراءات أجروها حتى وصلوا إلى ما هم عليه الآن

  فبالتالي ما يظنه بعض المسلمين اليوم من أنه لابد أن نأخذ بالنظام الديمقراطي ولا بد أن نأخذ بالنظام الغربي أو النظام الليبرالي أو النظام العلماني أو النظام الاشتراكي الرأسمالي أو الشيوعي هذه الظنون الفاسدة نشأت عن جهلهم بالشريعة ولهذا يجب على أهل العلم ويجب على طلبة العلم أن يعرفوا الأحكام الشرعية وأن يعرفوا بالتفصيل ما يغني المسلمين عن الرجوع إلى الأنظمة البشرية الزائلة الزائفة  

 

نرجع مرة أخرى فنقول أن الله عز وجل قال في شأن الإمامة في سورة البقرة {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة : 30] فخلق الله  تعالى آدم عليه السلام ثم أنزله إلى الأرض وسماه خليفة فهو يقوم بأمر الله  تعالى لأنه نبي ومكلم وهكذا من بعده من ذريته حتي وقع الشرك فأرسل الله نوحا عليه السلام إلى أهل الأرض ثم استمر الرسل إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم  ثم بعدهم جاء الخلفاء الراشدون ثم استمر الأمر حتى يومنا هذا فالإسلام و الدين باقي وهناك من يقوم بأمر الله عز وجل «لَا يزالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

والإمامة: هي حكم قدري وشرعي أيضاً يتولى أحد الناس خلافة النبوة و حراسة الدين وسياسة الدنيا هذا تعريف الإمامة يقولون موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا طبعاً ليس بالضرورة أن يكون خلافة النبوة ولكن المقصود أنها رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لكن لما يقول خلافة النبوة يعني نيابة أو جاء بعد الرسول صلى الله عليه وسلم

المقصود أنها حمل الناس على مقتضى مصالحهم الأخروية والدنيوية فبعض الناس يقوم بهذا على أحسن قيام كما قام به الخلفاء الراشدون وبعضهم يخل به أو يخل ببعضه فمن يتولى الحكم على شؤون الناس يقوم بأمور الدين وأمور الدنيا

 فأمور الدين مثل إلزام الناس بإقام الصلاة وجباية الزكاة والصوم وإقامة الحج وكذلك يقوم بما يتعلق بالإفتاء والقضاء بين الناس في الخصومات والجهاد وحفظ الثغور وحماية البلاد وإقامة الحدود الشرعية والحسبة الاحتساب على الباعة وعلى الصناع وعلى الطلاب والمعلمين على الأئمة والمؤذنين والحسبة على كل أفراد المجتمع فيما يقضي بحفظ الحقوق والعدل بين الناس كذلك من مهامه استيفاء الحقوق ونزع المظالم ورفعها

هذا معنى الإمامة العظمي حكم شرعي وقدري يتولي به من أوتيه شئون الناس ويندرج تحت هذه الشؤون أمور الدين والدنيا

هذا تعريف الإمامة: حكم شرعي قدري يتولى به من أوتيه شئون الناس ويندرج تحتها أمور الدين والدنيا

فهو موضوع لحراسة الدين وسياسة الدنيا هذا معنى الإمامة العظمى

وتسمى أيضاً الامارة وتسمى الوِلاية وتسمى الملك وتسمى الرئاسة وتسمى الخلافة وتسمى السلطنة وتسمى الحكم فيقال هذا الإمام أو الملك أو الرئيس أو الحاكم أو السلطان أو الخليفة أو الامير أو نحو ذلك وهذه أسماء متعددة لمسمى واحد وهو أن رجلاً يقوم على شؤون الناس سواء سمي سلطاناً أو سمي أميراً أم سمي ملِكاً أو سمي خليفةً أم سمي أمير المؤمنين أم سمي الإمام أو الحاكم الأمر في هذا سهل الأسماء ما تضر المقصود المعنى وهذه الإمامة العظمى هذا تعريفها وهذه المسميات التي تطلق عليها.

الله عز وجل هو الذي بيده الملك وحده لا شريك له والله عز وجل قال في محكم كتابه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران : 26] فالله عز وجل هو الذي يصرف الكون ويدبر الكون ويعطي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء والإمامة تنال بتقدير الله عز وجل فما يقع أحد يتولى هذه الإمامة أو الملك إلا وقد قدره الله عز وجل وإذا شاء الله أن ينزع عنه الملك نزعه واذا شاء أن يعطي أحداً دونه الملك أعطاه فالله هو الذي يدبر الكون والله هو الذي بيده الملك وحده لا شريك له هذا من جهة الناس انهم إذا امروا احداً عليهم أو تامر عليهم فإن هذا كله بأسباب وهذه الأسباب يقدرها الله عز وجل

إذن هذا تعريف الإمامة وهذا موضوعها

 الفقرة الثانية في الدرس

طرق انعقاد الإمامة

يعني كيف تنعقد الإمامة هذه الطرق التي عليها أهل السنة والجماعة

تنعقد الإمامة بثلاثة طرق فقط دلت عليها النصوص ودل عليها فعل السلف:

الأول: اختيار أهل الحل والعقد

 كما حصل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فإن الصحابة اجتمعوا واتفقوا على مبايعته بعد نقاش دار بينهم ومحاورة ثبتت في الصحيحين وغيرهما فاتفق أمرهم على بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهم أهل الحل والعقد

والمراد بأهل الحل والعقد أهل الشوكة و القوة و الرأي و المشورة الذين لهم شأن ويتبعهم الناس فكلمة الحل و العقد لها مدلول واضح وهو حل وعقد كما في هذه الكلمة يعني بيدهم الحل وبيدهم العقد لقوتهم ولشوكتهم ولمكانتهم الاجتماعية فالناس يذعنون لهم إذا رأوهم مالوا هنا مالوا معهم وإذا رأوهم مالوا هناك مالوا هناك لان عندهم قبول أو عندهم سلطنة أو عندهم رأي يقتدون بهم فيأثرون فيهم أو عندهم شوكة لكثرة الاتباع كرؤساء القبائل احيانا فأهل الحل والعقد يختلفون من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان من بلد إلى بلد ومن عرف إلى عرف فقد يكون في زمن من الازمنة أهل العلم واهل الدين لهم شان عند الناس فإذا قالوا قولا استجاب الناس كلهم فيكونون حين إذ أهل حل وعقد وقد يكون في زمان أهل الجيش والشرطة هم الأقوى وهم الذين لهم الشأن فإذا اختاروا شياً مال الناس معهم وقد يكون هؤلاء وهؤلاء مشتركون يعني العلماء مع رؤساء الشرط والجيش وقد يكون غير ذلك فهذه الأمور تعرف بحسب الحال وبحسب المقام لكن مما يظهر جليا واضحا لا شبهة فيه أن عوام الناس الذين لا يعدون من العلماء ولا من الرؤساء للعشائر ولا من ذوي الأحلام و العقول و الرأي هؤلاء لا شأن لهم في الحل و العقد ولا يؤخذ برأيهم ولا يعتد بقولهم  ومن هنا تعرف بطلان الانظمة الديمقراطية التي جعلت التصويت حجة في اختيار شيء دون غيره فالتصويت منحوه لكل من هب و دب من السفهاء والسكارى و أهل الفواحش واهل الشرور وقطاع الطرق كل من هؤلاء عنده الحق في التصويت وهذا يدلك على بطلان لان هؤلاء أهل فساد في عقولهم وفي تصوراتهم فلا يختارون ما فيه مصلحة عامة إنما يختارون ما تقتض به شهواتهم الانية التي فيها ضرر عليهم هم أيضاً

بالتالي نعرف أن المراد بأهل الحل و العقد عند المسلمين غير المراد عند الديمقراطيين ومع الاسف يحاولون انهم يجعلون الشورى في الإسلام هي الديمقراطية في الغرب ولكن في الإسلام لا تكون للبطالين فلا يستشار البطال ولا يستشار أهل الخمور وأهل  الزنا وأهل الشرور قطاع الطرق ولا من لا رأي له ولا علم عنده هؤلاء لا يستشارون وليسوا أهل الشورى كما أن الشورى ليست ملزِمة في الإسلام الشورى مرشدة يستشير ليسترشد لكن أهل الشورى لا يتسلطون على الحاكم أو على ولي الأمر فيلزمونه ليس هذا معروفاً في الشريعة الإسلامية إنما ينصحونه فإذا أبى فقد برئت ذمتهم و الواجب عليه أن يأخذ بالنصح إذا ظهر له اما إذا لم يظهر له أو ظهر له معنى آخر وكان من أهل الاجتهاد فلا يوجب عليه هذا لا يوجب عليه أن يأخذ برأي الناصحين فإن أبا بكر رضي الله عنه لما أراد قتال أهل الردة أغلب الصحابة عارضوه فقالوا له كيف تقاتلهم-وعمر عارضه- ومع ذلك لم يأخذ برأي أهل وهم أقوى الناس رأياً ومشورة على كل حال هذا الطريق الأول لانعقاد الإمامة وهو اختيار أهل الحل والعقد

الطريق الثاني لانعقاد الإمامة هو ولاية العهد كما حصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فإن أبا بكر رضي الله عنه عهد بالخلافة من بعده لعمر رضي الله عنه وخطب في الناس بهذا وأعلنه فلما توفي أبو بكر الصديق تولى الأمر عمر وبايعه المسلمون فولاية العهد من سنة الخلفاء الراشدين بل ثبتت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل غزوةً لقتال الكفار في مؤتة فلما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أميركم فلان فإن مات ففلان فإن مات ففلان فهذا يبين فيه الترتيب عند موت الحاكم أو ولي الأمر

الطريق الثالث لانعقاد الإمامة تنعقد الإمامة بالغلبة والقوة والقهر

 إذا غلب على الناس بسيفه وقوته وقهره واجتمعت له الكلمة فإنه حينئذ تصح إمامته ويبايعه المسلمون ويجب السمع والطاعة له حتى لو كان ابتدأها بطريق فيه خطأ فخطأه عليه ولكن إذا اجتمع عليه الناس وقهرهم بالسيف فإنه يجب حينئذ السمع والطاعة له بالمعروف فهذا الطريق الثالث

وقد وقع هذا لعبد الملك بن مروان فقد تغلب على الناس فصحت إمامته وبايعه المسلمون وأرسل ببيعته عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هذه المسالة يخالف فيها الكثير من أهل اهواء ويخالف فيها كثير من أهل البدع أعني ثبوت الحكم للولاية بالغلبة والقوة فيجب على طالب العلم أن يعرف أن هذه المسالة مسألة مهمة ولا يلتفت لتشغيب   المشغبين أو ضلالات المضللين  فإن ثبوت الحكم بالغلبة والقوة أمر اتفق عليه أهل السنة والجماعة بل لا  يصح أمر المسلمين ولا يتم الا بهذا وإذا قلنا لا تصح لوجب على الناس أن يخرجوا على هذا المتغلب لعمت الفوضى في بلاد الإسلام

فالتغلب حكمه ثابت وقد دلت عليه النصوص الشرعية وسوف اذكر الان بعض من هذه النصوص

حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فقلنا أوصنا يا رسول الله قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وأن تأمر عليكم عبد حبشي وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة». وفي الحديث الآخر «وكل ضلالة في النار»"

 وهكذا الأحاديث التي فيها العموم مثل قوله «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» وهكذا على عموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) فعمم فهذا إذا تولى على الناس صار ولي الأمر وهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لما سؤل (حين قال)" «إنكم سترون بعدي أثَرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟، قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم»" وهكذا في حديث حذيفة صرح النبي صلى الله عليه وسلم  انه في أخر الزمان يكون أئمة تعرفون منهم وتنكرون  قُالْ: فَمَا تَأْمُرُنِي إذ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»

والأحاديث في هذا كثيرة وهي أحاديث عامة تشمل حتى من تأمر على الناس

ومن الأدلة أيضاً الإجماع فإن الصحابة و المسلمون  أجمعوا على بيعة عبد الملك بن مروان لما تولى فإنه قام على  عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما  وقاتله حتى استشهد عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما على يد الحجاج بن يوسف الثقفي فاستتب الأمر لعبد الملك فأجمع الناس على بيعته وأجمع المسلمون على بيعته فبايعه الناس فهذا هو التغلب فينزع الخلافة بالقوة ويستتب له الأمر فهذا قد اجمع عليه المسلمون فبالتالي نعرف أن هذا جاءت به السنة من جهة منتهاه أما من جهة المبتدأ يقال أن المحاولة التي ابتدأها هذا المتغلب من قبل ليقوم على غيره و يخرج عليه غيره هذا ليس مشروع من جهة الابتداء لكن إذا استتب له الأمر واستوثق له الحكم لزم له السمع و الطاعة لقد قد يظهر أيضاً انه قبل أن يتغلب قد تكون الأمور فوضى ثم يجمع الناس بقوته

قال الإمامة احمد: وَمَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ كَانَ النَّاسُ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْخِلَافَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ بِالرِّضَا أو بِالْغَلَبَةِ فَقَدْ شَقَّ هَذَا الْخَارِجُ عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَخَالَفَ الْآثَارَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن مَاتَ الْخَارِجُ عَلَيْهِ مَاتَ مِيتَةَ جَاهِلِيَّةٍ. (شرح أصول اعتقاد أهل السنة)

يعني الإمامة أحمد يقول إذا كان الخليفة الموجود حتى لو كان بالرضا أو كان بالغلبة ثم جاء واحد يخرج عليه شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

إذا جعل الإمامة احمد الأحاديث السابقة ونحوها كلها تدل على أن المتغلب أو الامير الذي حصلت له الامارة بالرضا أو التغلب يعتبر أميرا ولا يجوز الخروج عليه

ويقول النووي في شرح صحيح مسلم -في حديث «أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله» -: هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْمُتَوَلِّينَ لِلْإِمَامَةِ بِالْقَهْرِ مِنْ غَيْرِ إِجْمَاعٍ وَلَا عَهْدٍ يعني من غير إجماع المسلمين بالرضا بتوليه ولا عهد يعني بولاية العهد التي سبق ذكرها وهذا امر واضح

إذا طرق انعقاد الإمامة بهذه الأمور الثلاثة تنعقد بــ:

1- اجتماع واتفاق أهل الحل والعقد على بيعته

2- أن يعهد اليه الخليفة الذي قبله أو الحاكم الذي قبله

3- أن يتغلب على الناس بسيفه القوة والقهر والغلبة

ولهذا العبرة في مسائل الحكم والإمامة بمن له القوة والغلبة وهذه مسألة مهمة جدا يغفل عنها كثير من الناس

يعني البيعة و الحكم و الإمامة و الامارة و الملك إنما ينعقد بمن تقوي به الشوكة ويقدر على تنفيذ الاحكام احكام الإمامة أما الذي لا يقدر حتى لو كان في نفسه صالحا  تقيا وورعا يخاف من الله لكن لا يقدر  على جمع الناس ولا يقدر على أمور الناس ولا يقدر على تنفيذ احكام الإمامة وليس عنده شوكة فهذا ليس بإمام حتى ولو كانت عصابة اجتمعت على توليه على انفسهم فإنه لا يكون إماما على المسلمين وبهذا نعرف أن قطاع الطريق أو الخوارج أو البغاة إذا انحازوا في قرية أو انحازوا في مكان ثم فيما بينهم جلسوا وامروا واحداً منهم وقالوا أنت الخليفة على جميع المسلمين  فإن هذا عبرة به لأنه ليس ممن تتحقق به الشوكة بل هم يعتبرون قطاع طرق أو خوارج بحسب الحال فالواجب الحذر من الطرق التي عليها أهل البدع وتعرفون أن هناك من أهل البدع من الآن يحاول أن يشوش على المسلمين ويحاول أن يعقد بيعات وأن يعقد وهذه الأمور حتى يشغل الناس عن الاجتماع على ولاة الأمور فيجب الحذر من هؤلاء جميعاً

والشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول: فالأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان، له حكم الإمامة-يعني بالتغلب- في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا

وصدق الإمامة ولهذا بعض المفسدين وبعض الذين يتبعون المناهج الفاسدة والجماعات الضالة يحاولون أن يشغلوا طالب العلم عن هذه المسألة ويشوشوا عليه فيها ويقولون كيف تجعلون التغلب طريقة للحكم وهذا معناه انكم تداهنون الحاكم الموجود. هذا من جهلهم و ضلالهم فليست المسالة مداهنة بل مسألة دين فمن اجتمع عليه الناس وحصلت به الشوكة وصارت له القوة فإنه هو الذي يقدر على تنفيذ الأحكام في هذا الوقت لو قلنا لا لا سمع له ولا طاعة بل نطلب الخروج عليه ومعه شوكة لتقاتل  المسلمون وازداد الشر وازداد الفساد ثم من يريده هؤلاء أن يحكم لا يستطيع أن يحكم ولا يستطيع أن يمسك بزمام الأمور فتحدث الفتن مرة ثالثة ومرة رابعة وخامسة ويستمر البلاء على المسلمين ولهذا عرفنا أن هذا القول قول فاسد الذي لا يرى صحة إمامة المتغلب فهذا القول يروج له مع الأسف من الجماعات ومن الفرق الخاسرة ومن أهل الأهواء ومن يطمعون في الحكم يعني يزينون الإفساد وهم في نفس المطاف هم يسلكون مسلك التغلب بطرقهم البائدة ثم إذا قالوا قالوا لا نحن طريقة ديمقراطية يعني جمعوا بين طريقة الخوارج وطريقة الليبرالية أو العلمانية فأخذوا من كل شراً نسأل الله العافية والسلامة فحذاري حذاري من هذه المسالك وعليكم بسلوك منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الراسخين في العلم هذا ما يتعلق بمسألة طرق انعقاد الإمامة لكن ننبه على مسألة أن بعض العلماء ذكر طريقاً رابعاً وهو مسألة خلاف وهو النص

هل نص النبي صلى الله عليه وسلم على إمامة أحد؟

عند أهل السنة والجماعة لم ينص النبي صلى الله عليه وسلم على إمامة أحد إلا ما جرى من خلاف في النص إمامة أبي بكر رضي الله عنه فبعض العلماء قال أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على امامته باسمه وأنه هو الإمامة وقالوا الدليل على ذلك أنه قدمه على الصلاة وأنه قال (يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) وذكروا بعض الآثار والأحاديث فجعلوا هذا طريقا رابعا

ولكن نقول هذا لا حاجة أولاً لأن الراجح هو قول جماهير أهل السنة والجماعة وجماهير العلماء أن خلافة أبي بكر ليست بالنص وإنما باجتماع أهل الحل والعقد على بيعته وهو اولى الناس بذلك لما فهموه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .... لكن ليس بنص

فالأحسن أن نقتصر على ذكر الثلاثة وهذا الرابع لا يشار اليه

هذا ما يتعلق بطرق انعقاد الإمامة

إذا خلاصة الدرس اليوم هو مسألة

الإمامة العظمى تعريفا والمصطلحات المشابهة لها وكذلك الحاجة الماسة لمعرفة هذه المسالة لكون كثير من المتكلمين وقعوا في مشابهة أهل الباطل اما وقعوا في مشابهة الرافضة أو وقعوا في مشابهة الخوارج أو وقعوا أيضاً في مشابهة الكفار فبعضهم يقول أن هذه البيعة للإمام والحاكم عقد وعقد اجتماعي قابل للفسخ ولابد فيه من التراضي هكذا يقول بعضهم لا يا أخي هذا غير صحيح بل إذا تمت البيعة واجتمع الناس على الإمامة حتى لو لم يرضى بعض الرعية حتى ولو غضبوا حتى ولو وجدوا بعض الظلم والجور هذه عقيدة أهل السنة والجماعة

فهذا اخذوه مع الأسف أخذوه من نظرية العقد الاجتماعي الغربية وضعها بعض الكفار من توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو وغيرهم والله عز وجل اغنانا بالوحي وشريعة النبي صلى الله عليه وسلم أغنانا الله عنهم وعن كلماتهم وأفكارهم زبالة أفكار البشر يأتي بها بعض الناس يظن أنها تنفعهم فالنظريات الغربية حقيقة هي نتيجة لواقع مليء بالكفر و الجهالات والضلالات فأوروبا قبل ثلاثمئة سنة والتي نشأت بها تلك النظريات كانت تعيش تحت اعظم انواع التسلط والظلم من كفرة النصارى المنحلين عن دينهم وكيف يقاس الإسلام على النصارى وعلى النصرانية المنحرفة ثم الغاية من الإمامة كما تقدم اقامة مصالح الدين والدنيا وإقامة دين الله عز وجل وأن يفرد بالعبادة وأن يعبد وحده لا شريك له وليس المقصود منها مجرد تحقيق الحقوق والحريات فقط والأمن فهذه الاشياء مطلوبة ولكن بما يوافق الشريعة وليس بما يعارض الشريعة

فهذا تعريف الإمامة العظمى وذكرنا أن تعريفها: حكم شرعي قدري يتولى به من أوتيه على شؤون الناس ويندرج تحتها أمور الدين والدنيا

ومما ذكر ابن تيمية وننصحكم بالرجوع إليه كتاب السياسة الشرعية في حقوق الراعي والرعية قال (الولاة نواب الله على عباده وهم وكلاء العباد على نفوسهم بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر ففيهم معنى الولاية والوكالة) وشرحها الشيخ محمد بن عثيمين يعني أن الله استنابهم على العباد ليقيموا شريعة الله تعالى فيهم والخليفة والحاكم وكيل الناس على أنفسهم لأن الله وكل إليهم الحكم بين الناس بالكتاب والسنة

فالعلماء بينوا أن الولاة والحكام نواب في وقت ووكلاء في وقت في معنى يعني نواب من جهة ووكلاء من جهة نواب اي كلفهم الله بالقيام بالدين والله عز وجل اوجب عليهم تنفيذ الاوامر و الحكم بين الناس بالشرع وإقامة الناس على الدين هذا معنى نواب ووكلاء يعني وكلاء على العباد على أنفسهم فيما جُعل لهم من وكالة فهم الذين يتصرفون باسم الناس من جهة العهود و العقود و بناء الأشياء التي يحتاجون بناءها وحفر الأشياء التي يحتاجون حفرها فهم يقومون بالمصالح عن العباد فولاة فيهم معنى النيابة عن الله وفيهم معنى الوكالة على العباد

وهذا غير موجود في نظريات الكفرة

أيضاً نحن في شريعتنا لا نقدس الحاكم ولا نعطيه صفة الألوهية ولا نؤلهه ولا نقول إنه يسمع له ويطاع في كل شي لا نحن نقول لا طاعة للحاكم في معصية الله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق خلاف كفرة النصارى ولا يقاس أهل الإسلام عليهم

هذا ما يتعلق بحكم الإمامة العظمى تعريفا وطرق انعقادها

وسيأتي الحديث عن تفاصيل اخرى ان شاء الله تعالى في بقية الدروس القادمة

اسال الله تعالى للجميع العلم النافع والعمل الصالح وأسأل الله تعالى أن يصلح ولاة أمورنا وأن يصلح ولاة أمور المسلمين ونسأل الله جل وعلا أن يولي المسلمين خيارهم وأن يكفيهم شر شرارهم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح بطانة ولاة الأمور وأن يوفقهم لاستبطان الناس الصالحين وأن يبعد عنهم الطالحين أنه سبحانه وتعالى سميع مجيب الدعاء

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

والى اللقاء في الدرس القادم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته