دروس فضيلة الشيخ

الصحابة والإمامة_ الدرس السابع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، اللهم صلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

أما بعد فهذا هو الدرس السابع من دروس برنامج التأصيل العلمي التابع لجمعية العقيدة، وهذا الدرس سيكون الحديث فيه عن موضوعات متعلقة بالصحابة رضي الله عنهم، فضلهم ومكانتهم والمفاضلة فيما بينهم، وحقوقهم، مع ذكر الأدلة من الكتاب والسنة وبيان عدالة الصحابة رضي الله عنهم.

والصحابة جمع، والواحد: صحابي. والصحابي هو: الموصوف بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وجاء في تعريفه عند أهل العلم التعريف الجامع هو: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام. هذا تعريف الصحابي.

والدليل على هذا هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وددت أني رأيت إخواني، قالوا: أولسنا بإخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي ولكن إخواني قوم يأتون من بعدي يود أحدهم لو رآني بماله وأهله» أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فبين أن الذين رأوه ولقوه هم أصحابه، أما الذين لم يروه ولم يلقوه فسماهم إخوانه –اللهم اجعلنا منهم- وهذا يدل على معنى الصحابي.

وفي القرآن العظيم يقول الله عز وجل: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29]، هذا في الثناء على الصحابة رضي الله عنهم ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ [الفتح/29]، الشاهد: قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾، فمعيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم أن بملاقاته ورؤيته والجلوس معه ومشاهدته، فبهذا عرف معنى الصحابي فخرج من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه ممن أدرك زمنه كالنجاشي، كبعض التابعين أو المخضرمين الذين أرادوا السلام على النبي صلى الله عليه وسلم أو الإتيان إلى المدينة ثم وجدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي في السنة العاشرة.

فهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن هؤلاء لم يحصل لهم هذا الشرف فهم من التابعين فبالتالي سماهم العلماء المخضرمون، وهم الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يلقوه، هؤلاء يقال لهم المخضرمون، المخضرم الذي لم يلقى النبي صلى الله عليه وسلم من التابعين أو ممن أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يحصل له هذا الشرف، فهذا تعريف الصحابي، وهذا معنى الصحابي، وبالتالي من زعم أن الصحابي لابد أن يكون طويل الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم فنقول هذا ليس بلازم، فإن طول الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم لا شك أن هذا أفضل وأعظم، أجراً لكن النبي صلى الله عليه وسلم له شرف خاص وهو أنه إذا لقيه أحد وقابله أحد من المؤمنين والمسلمين .......... شرف هذا الملاقي شرفًا عظيمًا.

وفي هذا يتضمن الحديث الرد على من؟ على من أراد النيل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى أن بعضهم أسلم متأخرًا أو لم يلقى النبي صلى الله عليه وسلم إلا متأخر، فنقول: ولو كان، فكل الصحابة رضي الله عنهم داخلون في الفضل وهذا الشرف، قال الله تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [الحديد: 10]، يعني الجنة، فالذين أسلموا قبل الفتح أعظم أجراً من الذين أسلموا بعد الفتح، فهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن من اجتمع به أو لقيه مؤمناً به ومات على ذلك فهو من أصحابه، حتى لو كان اللقاء قصيراً.

وأيضاً نجيب عن حديث بعض الناس يستشكل عليه يقول: حديث عبد الرحمن ابن عوف لما حصل بينه وبين خالد ابن الوليد ما حصل من نقاش فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»، قالوا: هذا يدل على أن خالد رضي الله عنه ليس من الصحابة!، الجواب: لا، لا يدل، والصحيح أن خالد بن الوليد رضي الله عنه من خيار الصحابة، كونه أسلم بعد لا يعني ولا ينفي شرف الصحبة الذي حصله خالد رضي الله عنه، لكن في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى من أسلم من بعد أن يتكلم فيمن أسلم من قبل لشرف حاذه السابق، وكل من هؤلاء حصل على هذا الشرف، لكن السابق أعظم أجراً وأكثر فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يتكلم في من سبقه.

فإذا كان هذا في الصحابة وقيل فيهم مثل هذا فما بالك بمن جاء بعدهم، فإنه من باب أولى ألا يتكلم في أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

أما فضل الصحابة ومكانتهم رضي الله عنهم فهذا أمر واضح جداً في الكتاب وفي السنة، قد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة/100].

فهذه الآية الكريمة نص صريح وفضل عظيم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً، وبيان لأقسامهم الثلاثة.

كذلك قوله سبحانه وتعالى في سورة الحشر: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحشر: 8]، هؤلاء المهاجرون، ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]، هؤلاء الأنصار، ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر: 10]، وهذه فيمن جاء بعدهم، فهذا فضل عظيم لهؤلاء الصحابة، فهو سبقوا بالإيمان وهم من أهل الجنة، وهم قد أثنى الله عز وجل عليهم ومدحهم بالهجرة والنصرة والصدق والإيثار وشهد الله لهم بالإيمان.

ومن ذلك الآية التي سبق ذكرها في سورة الفتح: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ [الفتح: 29].

وكذلك من الآيات التي وردت في فضل الصحابة قول الله عز وجل: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً﴾ [النساء: 115]، فحكم الله عز وجل على من خالف سبيل المؤمنين بهذا الوعيد الشديد، وهو أنه يصليه جهنم وساءت مصيرا.

بالتالي علم أن طريقتهم رضي الله عنهم واجب اتباعها، واجب سلوكها ولا يجوز الخروج عنها.

كذلك وردت آيات أخرى في كما سورة الحديد في قول الله تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد: 10]، ﴿وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾  يعني جميع الصحابة رضي الله عنهم وعدهم الله عز وجل بالحسنى، والنبي صلى الله عليه وسلم صحت عنه الأحاديث وتواترت في بيان فضل الصحابة كقوله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».

وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار»، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً في فضل الصحابة وفضل القرن الذين لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا شيء متواتر في الشريعة الإسلامية، ومحبتهم رضي الله عنهم واجب على كل مؤمن، وبغضهم دليل النفاق كما سبق في الحديث، ويجب أيضاً الحذر من الأسباب التي تغري الصدور تجاه الصحابة رضي الله عنهم.

وقد صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث أخرى أيضاً مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «النجوم أمنة السماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب اصحابي أتى أمتي ما يوعدون».

وكذلك في صيح البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي على الناس زمان يغزوا فأم من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزوا فأئم من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فأم من الناس فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: نعم، فيفتح لهم» فهذا الحديث القسم الأول: الذين رءوا النبي صلى الله عليه وسلم وهم الصحابة.

القسم الثاني: الذين رأوا الصحابة وهم التابعون.

القسم الثالث: فهم من رأوا من صحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعني أتباع التابعين.

وهذا مثل قوله: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».

وكذلك مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام أنه قال: «لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة» أو قال: «فقد غفرت لكم».

وكذلك جاء فيمن بايع تحت الشجرة في بيعة الرضوان يوم صلح الحديبية جاء فيه الآية الكريمة: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾ [الفتح: 18]، هؤلاء رضي الله عنهم وأرضاهم هم وألف وخمسمائة أو ألف أربعمائة أو بينهما، وجاء في هذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة» فهذا يدل على فضل هؤلاء فضيلة خاصة.

وفضائل الصحابة على نوعين: الأولى: فضائل عامة: وهي فضائل الصحبة، وتقدم الإشارة إلى بعض الأدلة الواردة فيها.

الثانية: فضائل خاصة: فهي الفضائل التي وردت في فضل المهاجرين أو فضل الأنصار أو وردت الآيات في فضل أهل بدر أو أحد، أو فضل أهل بيعة الرضوان أو فضل صحابي خاص باسمه، وهذا كثير، وقد عقد كثير من المصنفين في السنة أبواباً كثيرة في بيان فضائل الصحابة ومناقبهم رضي الله عنهم، وقد جمعها بعض طلبة العلم في أكثر من اثني عشر مجلداً، وهو مطبوع في الجامعة الإسلامية لفضيلة الشيخ الدكتور سعود بن عيد الجربوعي الصاعدي رحمه الله، وهذا مبثوث في صحيح البخاري ومسلم والسنن الأربع، والمسند وكذلك مصنفات الإسلام، فهذا يدل على هذه المسألة الكبيرة العظيمة وهي كثرة فضائل الصحابة، وكثرة الأحاديث الواردة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائلهم ومناقبهم، فمعرفة هذه الفضائل تزيد الإيمان وتقوي محبتهم في قلب المؤمن، ومما يدلك على فضيلة الصحابة رضي الله عنهم أنهم هم الذين عاينوا التنزيل وشاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وناصروه، وقاموا بما أوجب الله عز وجل عليهم من النصرة والهجرة وكذلك قاموا رضي الله عنهم بالحق، حفظوا القرآن، حفظوا الحديث ورووه للناس، وكذلك جابهوا الكفار وجاهدوهم في الله حق جهاده، وشهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ينزل عليه الوحي، وعرفوا مراده، وعرفوا مردا الله عز وجل، فهم عارفون بالشريعة، عارفون بأسرارها وحكمها، عارفون بالمقاصد التي كان الشرع ينزل والوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم فيعرفون المناسبة، وليس المعاين كالمخبر كما في الحكمة، فرضي الله عنهم وأرضاهم، ونتذكر جهادهم في الله، وقيامهم بنصرة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونصرة الدين حتى دانت الجزيرة كلها وما ورائها بالإسلام ولله الحمد والمنة، ذهب عرش كسرى وملكه ودخلت فارس كلها في الإسلام، وذهب عرش قيصر وملكه كله ودخل مناطق الروم كلها في الإسلام، وذهب عرش المقوقس وغيرهم من الملوك ذهبوا كلهم وبقي الإسلام وظهر الإسلام، وعلى هذا الدين على سائر الأديان بفضل الله عز وجل، ثم بهؤلاء الصحابة الكرام الذين اختارهم الله عز وجل وهيئهم وهداهم، ولهذا كان عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه يقول في هؤلاء الصحابة كلاماً عظيماً، يقول رضي الله عنه: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً.

يقول: إن الله تعالى نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب اصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيء.

وأيضاً قال رضي الله عنه: من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم اتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم.

نِعم كلام عبدالله رضي الله عنه في وصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكل جملة من هذه الجمل تحتاج شرح، وتحتاج تعليق، قال: من كان منكم مستناً فليستن بمن قد ماتن يعني إذا أردت أن تأتم وتقتدي فلا تقتدي بحي، يقول: فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك. ثم أثنى على الصحابة وهو من خيرة الصحابة رضي الله عنهم، ومن السابقين الأولين من المهاجرين رضي الله عنهم عبد الله ابن مسعود.

ثم قال في فضلهم: كانوا أفضل هذه الأمة. هذه عقيدة عندهم وعندنا وعند أهل السنة، فالصحابة هم أفضل هذه الأمة بعد نبيها.

قال: وأبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً.

أنظر للوصف كيف كل كلمة ما يناسبها، القلوب: ذكر البر، والعلم ذكر العمق، ونفي التكلف في العمل.

فقال: أبرها قلوباً وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وعلم بهذا أن كثرة الكلام أو كثرة التكلف والإحصاء وكثرة الحفظ ليس دليلاً على عمق العلم، فإذا لم يصلح القلب ويبر ويقل التكلف.

ثم قال: قوم اختارهم الله لصحبة نبه وإقامة دينه فعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في أثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم.

هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم، لهم أجر عظيم، لأن كل خير يعمله من جاء بعدهم فلهم الأجر بهذا، لماذا؟ لأنه لا يمكن أبداً أن أحداً يصل لعلم أو لفائدة يفيد الإسلام إلا بسبب الصحابة، فكل حسنة نعملها نحن فالصحابة أجر وثواب فيها رضي الله عنهم وأرضاهم، وبالتالي إذا علمنا هذا علمنا عظم ثوابهم، وكثرة حسناتهم، ومناقبهم، وما ميزهم الله عز وجل به، فكما قال ابن تيمية في العقيدة الواسطية: لا كان ولا يكون مثلهم، يعني ما جاء أحد مثلهم رضي الله عنهم وأرضاهم.

والواجب تجاه الصحابة: أولاً: محبتهم جميعاً من غير استثناء.

وثانياً: الدعاء لهم كما قال الله في الآية: ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].

ثالثا: ومن الدعاء الترضي عنهم، أن نقول: رضي الله عنه، رضي الله عنهما، رضي الله عنها وهكذا إذا ذكر الصحابي أو الصحابية أو الصحابيان أو ذكر الصحابة.

رابعاً: من حقوق الصحابة بعد المحبة والدعاء والترضي أن لا يكون في القلب غل تجاه أحد منهم، فإن هذا من أعظم المحرمات، ومن علامة النفاق نسأل الله العافية والسلامة، ولهذا لا يجوز، هذا علامة المنافقين أنه يكون في قلوبهم غل ومن حقوق الصحابة والواجب تجاه الصحابة الإمساك عما شجر بينهم رضي الله عنهم، فهناك فتن جرت بين الصحابة بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه، وماذا نفعل؟ نقول: نسترجع، فنقول: إن لله وإنا إليه راجعون اللهم اغفر لهم، ونعتقد أنهم أهل فضل عن الصحابة ونترحم عليهم جميعاً ونحفظ فضائلهم ونعترف بسوابقهم ومناقبهم وخيرهم ونعتقد أن المجتهد منهم المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد، ولا نقول إنهم معصومون من كبائر الإثم وصغائره، لا، قد يقع منهم الخطاء، والخطاء منهم مغفور، لا يساوي محاسنهم ومناقبهم، وفضائلهم وحسناتهم فإن لهم من الحسنات ولهم من الفضائل، ولهم من الأجور مالا نظير له رضي الله عنهم وأرضاهم.

ونعتقد أيضاً أن كثيرًا مما يرويه الرافضة أو النواصب والإباضية وغيرهم من أهل البدع كثير من هذه الأحاديث بل أكثرها كذب، وفيها ما قد زيد فيه ونقص، وغير عن وجهه.

والصحيح من ذلك هم فيه معذرون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، رضي الله عنهم وأرضاهم، إذا كان الواحد من الصحابة إذا تصدق بمد من شعير لم نسبقه ولو تصدقنا بجبل من ذهب، ولو كان الذهب مقداره مقدار جبل أحد الضخم، فتصدقنا بهذا الجبل من الذهب على الفقراء وعلى المصالح الشرعية لم ندرك فضل ذلك المد الذي تصدق به الصحابي، فإذا كان قدر أن أحد منهم صدر منه ذنب أو خطأ أو نقص فإنه يكون قد أتى بحسنة تمحوا، أو قد يكون تاب منه رضي الله عنه، أو غفر له، بسوابقه ومناقبه، وفضائله، أو غفر له بشفاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم أحق الناس بشفاعته، فكيف في الأمور التي هم فيها مجتهدون رضي الله عنهم، فهم إن أصابوا فلهم أجرهم، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، فرضي الله عنهم وأرضاهم ولا يجوز أن نتخذ ما جرى بينهم من خلاف أو فتنة نتخذ ذلك غرضاً للنيل من بعضهم أو التنقص هذه علامة الضلال، فالواجب الإمساك عما شجر بين الصحابة، والثناء عليهم جميعاً، ونعتقد أنهم بين الأجر والأجرين ونعتقد أنهم خير الناس، ومن تكلم فيهم، وخاض فيهم بالباطل فهو مبتدع، ولا نقول إلا مثلما قال الإمام أحمد رحمه الله لما سُئل عن الفتن أيام الصحابة فقرأ قول الله عز وجل: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة/134].

وقيل لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه: إن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر؟، فقالت: وما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله ألا يقطع عنهم الأجر.

وقال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة –يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم- خير من عمل أحدكم أربعين سنة. وفي رواية: (خير من عبادة أحدكم عمره)، وجه ذلك أن الصحابة كما تقدم إذا رووا حديثاً فإنه ينتفع به مئات، مئات الملايين من البشر من المسلمين، وكل من عمل هذا العمل بعدهم فإنه يكون لهم الأجر الدرجة الأولى، لأنهم هم السبب، لأنهم هم الذين بدأوا به ونشروه وأوصلوه للأمة.

فلا يجوز الخوض فيهم ولا الغل تجاههم، ولهذا يقول العلماء: حب الصحابة دين، وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.

ومن حقوق الصحابة معرفة فضائلهم والاستفادة من سيرتهم، والتأسي بهم، والتعلم بالعلم الذي ورثوه للأمة.

ومن الواجبات تجاه الصحابة رضي الله عنهم: أننا نتولاهم جميعاًن ما نتبرأ من أحد منهم، ولا نفرط، نغلوا في حب أحد، ونغلوا في بغض أحد كما يفعل أهل البدع، وهذا كله من المسالك السيئة وفيه الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبدالله ابن مغفل قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن أذاهم فقد أذاني، ومن أذاني فقد أذى الله، ومن أذى الله فيوشك أن يأخذه» رواه الترمذي وأحمد وغيرهما.

والمقصود: أن هذا كله من حقوق الصحابة رضي الله عنهم، والواجب تجاههم وهذه الأدلة على هذه المسألة.

 والمفاضلة بين الصحابة ستأتي أن أفضلهم الخلفاء الراشدين، وأفضل الخلفاء أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، والسابقون الأولون من المهاجرين أفضل من الأنصار، ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان، والذين أسلموا قبل الفتح خير ممن أسلموا بعد الفتح وفي كل خير وكل وعد الله الحسنى ورضي الله عن الصحابة أجمعين.

وبعد هذا يكون الحديث عن مسألة عدالة الصحابة، فعدالة الصحابة ثابتة في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع على ذلك علماء الإسلام ولله الحمد والمنة، وقد سبق ذر الآيات الكثيرة في ثناء الله عز وجل على الصحابة وكل من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً﴾ [الفتح: 29]، هذا أمر قد اتفق عليه علماء الإسلام ولله الحمد والمنة.

ومعنى عدالتهم: أي أن روايتهم ثابتة صحيحة لا يمكن الطعن فيها أو الغمز فيها، وهذا هو دئب أهل البدع أو والنفاق، هم الذين يظنون عدم عدالة الصحابة أو عدم عدالة بعضهم، يقول الخطيب البغدادي رحمه الله: والأخبار في هذا المعنى تتسع، وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة والقطع على تعديلهم ونزاهتهم فلا يحتاج واحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق. انظر الكفاية في علم الرواية صفحة 48.

وهذا كتاب الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للإمام الحافظ ابن كثير، كتاب الباعث للشيخ أحمد شاكر رحمه الله، لكن نقرأ من اختصار علوم الحديث لابن كثير، يقول في المتن: فرع: والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزير، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم، في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل والجزاء الجميل.

وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام فمنهم ما وقع من غير قصد فيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين، والمجتهد يخطأ ويصيب، ولكن صاحبه معذور إن أخطاء، ومأجور أيضاً، وأما المصيب فله أجران اثنان، وكان علي وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية واصحابه رضي الله عنهم أجمعين.

ثم قال ابن كثير، وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل علي قول باطل مرذول ومردود، وقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عن بن بنته الحسن بن علي رضي الله عنهما، وكان معه على المنبر: إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.

قال ابن كثير: وظهر مصداق ذلك في نزول الحسن لمعاوية عن الأمر وبعد موت أبيه علي، واجتمعت الكلمة على معاوية وسمي عام الجماعة، وذلك عام أربعين من الهجرة، فسمى الجميع مسلمين، وقال تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ [الحجرات: 9]، فسماهم مؤمنين مع الاقتتال.

إذاً هذا كلام ابن كثير، ثم قال: ومن كان من الصحابة مع معاوية يقال: لم يكن في الفريقين، مائة من الصحابة والله أعلم، وجميعهم صحابة وهم عدول كلهم.

ثم قال ابن كثير: وأما طوائف الروافض، وجهالتهم، وجهلهم، وقلة عقلهم ودعوهم: أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشر صحابي وسموه فهو من الهذيان بلا دليل، إلا مجرد الرأي الفاسد عن ذهن بائد وهوى متبع وهو أقل من أن يردن والبرهان على خلافه أظهر أشهر مما علم من امتثالهم أوامره بعده عليه الصلاة والسلام.

ثم أخذ يذكر فضائلهم فقال: وفتحهم الأقاليم والآفاق وتبليغهم عنه كتابه والسنة، وهدايتهم الناس إلى طريق الجنة، ومواظبتهم على الصلوات والزكاة وأنواع القربات في سائر الأحيان والأوقات مع الشجاعة والبراعة والكرم والإيثار والأخلاق الجميلة التي لم تكن في أمة من الأمم المتقدمة، ولا يكون أحد بعدهم مثلهم في ذلكن فرضي الله عنهم أجمعين، ولعن من يتهم الصادق، ويصدق الكاذبين أمين يا رب العالمين.

هذا كلام ابن كثير في اختصار علوم الحديث في بيان عدالة الصحابة كلهم رضي الله عنهم.

يقول الإمام النووي رحمه الله في كتابه المشهور التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير، يقول فيه في المجلد الثاني صفحة 214، الصحابة كلهم عدول من لابث الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به، ثم قال: وأكثرهم حديثاً أبو هريرة ثم ابن عمر، وابن عباس إلى آخره.

ثم ذكر أكثرهم فتي، ثم تكلم عن طبقات الصحابة، والخلاف بين أهل العلم في عدد طبقات الصحابة ليس هذا حديثنا، ولكن حديثنا عن ثبوت عدالة الصحابة.

قال السيوطي في الشرح: قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ [البقرة: 143]، أي عدولا، وقال: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، قال: والخطاب فيها للموجودين حينئذٍ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني»، نقل أيضاً عن إمام الحرمين أنه قال: والسبب في عدم الفحص عن عدالتهم أنهم حملة الشريعة، فلو ثبت توقف في روايتهم لانحصرت الشريعة على عصره صلى الله عليه وسلم ولما ........... سائر الأعصار.

ثم ذكر أقوالاً فاسدة حتى هذا القول كما ترى ليس بذاك، لأنه قال: السبب في عدم الفحص عن عدالتهم أنهم حملة الشرع.

الجواب أن نقول: السبب هو تعديل الله لهم، ثبوت ذلك، وبعض الشرح عفا الله عنهم، يذكرون بعض الإيرادات مثل قول بعضهم هل يقبل قول الرجل عن نفسه: أنا عدل. فيقال: هذه تزكية. فإذا قال عن نفسه صحابي، فهذا كلام فاسد لأن الصحابي عندما يبين حاله أو يبين ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فليس مثل قول الرجل عن نفسه إني أنا عدل، ثم إنه لو كان ليس بصحابي، لقال من عرفه وجالسه أنك لم ترى النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أن هذا الأمر يظهر ويشتهر، فإذا لم ينكر علم صدقه، في ذلك، ولهذا نقل المعلق وهو المحقق لكتاب تدريب الراوي، عبد الوهاب، يقول في معاني العدالة: وذكر المعنى السادس وهو تجنب تعمد الكذب.

قال: وقال شاه ولي الله الدهلوي: وبالتتبع وجدنا أن جميع الصحابة يعتقدون أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الذنوب ويحترزون عنه غاية الاحتراز، والحمد لله.

فهذا بعض أقوال العلماء في هذا، ولهذا نقول عدالة جميع الصحابة ثابتة عند أهل العلم وعند أهل الحديث والمراد بذلك أنهم لا يعرفون بتعمد الكذب، لكن الخطأ والغلط قد يرد، وهذا يتضح من خلال الجمع بين الأحاديث، والجمع بين ما ورد على الصحابة رضي الله عنهم، ولا يجوز أن يُقال: إن بعضهم يحكم عليه بالفسق، أو يحكم عليه بكذا، هذا كلام من ليس بمحرر وليس بمتقن، ومع الأسف قد ينقله بعض الشراح، فيجب الحذر من هذه الأقوال الفاسدة، وهناك أيضاً رافضة في الموضوع، وهناك مستشرقون يكيدون، فلابد من الحذر من مسالك الرافضة، ومسالك المستشرقين، ومسالك أهل البدع بشكل عام، والشيخ عبد المحسن العباد ألف رسالة في الانتصار لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخيار، والرد على من طعن فيهم، وهذا رد على واحد من الضالين، فجزاه الله خير الجزاء.

وحقيقة هناك كثير من أهل الاستشراق الكفرة يأخذون بأشياء يعني يحاولون أن يخوضوا في أمر الصحابة، لأنهم يعلمون أن قوة المسلمين هو من خلال السير على منهج الصحابة، فإذا أرادوا الكيد للإسلام والمسلمين وتفريق صف المسلمين بدأوا أول ما يبدؤون بالتشكيك في الصحابة، والتشكيك في السنة، ثم بعد ذلك يقع التشكيك في القرآن، وهذا كما يفعل الباطنية أيضاً، وذكر هذا عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق، وأن الباطنية يفعلون نفس هذا الفعل، فهناك من يكذب ويفتري، ويحاول أن يظهر الإنصاف أو يظهر أن دراسته أكاديمية، أو يظهر أن دراسته غير منحازة، وهو كاذب في هذا كله، وقد رد والحمد لله رد علمائنا ورد كثير من أهل العلم في زماننا على كثير من هؤلاء الخبثاء سواء من الرافضة أو من الباطنية أو من المستشرقين أو من الملاحدة، وأيضاً هناك رسالة بعنوان: موقف المستشرقين من الصحابة رضي الله عنهم، رد عليهم أحد الفضلاء، وهو الدكتور سعد بن عبد الله الماجد، رسالة مطبوعة، ويمكن الاستفادة منها.

وننقل في هذا المقام كلام بن الملقن رحمه الله يقول: للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به. ثم ذكر الأدلة، ثم قال: الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، والحمد لله، فهذا أمر إجماع.

ويقول أبو زرعة الرازي: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمن وإنما يريدون أن يجرحوا شهدونا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة. هذا من كتاب الكفاية للخطيب البغدادي.

فكلام الإمام أحمد أيضاً والبربهاري وأئمة السنة في هذا كثير جداً، في الطعن في والصحابة أو الزعم بأنهم ليسوا بعدول، أو أن بعضهم ليس بعدل، هذا كله من كلام المبتدعة أو كلام الزنادقة والباطنية والمستشرقين الحاقدين على الإسلام والمسلمين، فلا يجوز تسويغ هذا الكلام ولا نشره.

هذا ما يتعلق بالعدالة، عدالة الصحابة والرد على المخالفين، ونسأل الله جل وعلا أن يسلك بنا سبيل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأن يجزيهم عن الأمة خير الجزاء وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.